گروه نرم افزاری آسمان

صفحه اصلی
کتابخانه
جلد سوم
عرض آیات الهدایۀ و الضلال (التی وقعت موضع تشابه)







اشارة
- و بعد فلنتعرض الآن لآیات ربما وقعت موضع تشبث أهل الجبر فی الهدایۀ و الضلال، و الاجابۀ علیها وفق ما أسلفنا من البیان:- 1
قالت الأشاعرة: لو کان المراد بالهدایۀ الدلالۀ لکانت حاصلۀ لهم، فلم یکن لطلبها معنی، .«1» قوله تعالی: اهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِیمَ
فوجب أن یکون المراد: نفس الایمان أو القدرة علیه.
و الجواب: أنّ للهدایۀ مراتب متلاحقۀ لا یقف المؤمن منها عند حدّ، فعلی أیۀ درجۀ کان فانّه یطلب المزید و البلوغ لدرجۀ أعلی. و لا
وَ یَزِیدُ اللَّهُ الَّذِینَ اهْتَدَوْا هُديً وَ الْباقِیاتُ الصَّالِحاتُ خَیْرٌ عِنْدَ رَبِّکَ .«2» نهایۀ لرحمته تعالی مع الأبدیۀ، وَ الَّذِینَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُديً
.«3» ثَواباً وَ خَیْرٌ مَرَ  دا
و أیضا فانّا قد بیّنا فی التفسیر: أنّ العبد یطلب من اللّه الاستقامۀ فی جمیع شئون حیاته المادیۀ و المعنویۀ، الأمر الذي لا یستغنی عن
هدایته تعالی بالتوفیق و التسدید إلی الصواب مع اللیالی و الأیام.
قالوا: ما وجه اختصاص الهدایۀ بالمتقین، لو کانت هی الدلالۀ و الارشاد؟ .«4» -2 هُديً لِلْمُتَّقِینَ
. و الجواب: وجه الاختصاص أنّهم هم الذین استعدوا بأنفسهم للاهتداء ( 1) الفاتحۀ: 6
. 2) محمّد: 17 )
. 3) مریم: 76 )
. 4) البقرة: 2 )
ص: 214
و الآیۀ نظیرة قوله تعالی: إِنَّما .«1» بهذا الکتاب الذي جاء هدي للعالمین. قال تعالی: شَ هْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِیهِ الْقُرْآنُ هُديً لِلنَّاسِ
و لا شک أنّه (صلّی اللّه علیه و آله) جاء منذرا للخلق کلهم، کما قال تعالی: وَ ما أَرْسَلْناكَ إِلَّا کَافَّۀً لِلنَّاسِ .«2» أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ یَخْشاها
.«3» بَشِیراً وَ نَذِیراً
یدل علی أنّهم لا یقدرون علی الایمان. «4» -3 إِنَّ الَّذِینَ کَفَرُوا سَواءٌ عَلَیْهِمْ أَ أَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا یُؤْمِنُونَ
و الجواب: انّه تیئیس للنبی (صلّی اللّه علیه و آله) عن تأثیر دعوته، بالنسبۀ إلی اولئک المردة العتاة، فهو اخبار عن عدم وقوع، لا اخبار
صفحۀ 123 من 268
عن عدم قدرة، و إلّا لم یصح ذلک الذم و التوبیخ، و الوعید بعذاب عظیم.
فإذا کان اللّه قد ختم علی قلوبهم، کان ذلک من ادلّ دلیل علی .«5» -4 خَتَمَ اللَّهُ عَلی قُلُوبِهِمْ وَ عَلی سَمْعِهِمْ وَ عَلی أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ
انّه تعالی هو الخالق للایمان و الکفر، و للاسباب الموجبۀ لها! و الجواب: انّ ذلک تشبیه و استعارة، و کنایۀ عن ذلک الاعتیاد علی
العناد مع الحق و الصمود علی التمرد و الطغیان. کما جاء فی تعبیر انفسهم فیما حکی اللّه عنهم فَأَعْرَضَ أَکْثَرُهُمْ فَهُمْ لا یَسْمَعُونَ، وَ
.«6» قالُوا قُلُوبُنا فِی أَکِنَّۀٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَیْهِ، وَ فِی آذانِنا وَقْرٌ، وَ مِنْ بَیْنِنا وَ بَیْنِکَ حِجابٌ، فَاعْمَلْ إِنَّنا عامِلُونَ
انظر إلی هذا التعبیر الجافی، جعلوا من أنفسهم صخرة صماء و حجرا صلدا لا یتأثر بشیء. و إنّما هی تعابیر کنائیۀ عن تلک القسوة و
و قال تعالی- مخاطبا لامثالهم فی انکار لاذع-: ثُمَّ قَسَتْ .«7» الجفاء العارم وَ لکِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَ زَیَّنَ لَهُمُ الشَّیْطانُ ما کانُوا یَعْمَلُونَ
. و من ثمّ ردّ علیهم هذا التبریر الکاذب بقوله تعالی: ( 1) البقرة: 185 .«8» قُلُوبُکُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِکَ فَهِیَ کَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً
. 2) النازعات: 45 )
. 3) سبأ: 28 )
. 4) البقرة: 6 )
. 5) البقرة: 7 )
.5 - 6) فصلت: 4 )
. 7) الانعام: 43 )
. 8) البقرة: 74 )
ص: 215
.«1» وَ قالُوا قُلُوبُنا غُلْفٌ، بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِکُفْرِهِمْ فَقَلِیلًا ما یُؤْمِنُونَ
لأنّه تعالی باقداره لهم علی ،« قلوبنا فی أکنۀ » و إنّما أسند تعالی الختم إلی نفسه، فی حین أنّهم فی آیۀ اخري جعلوه من ذات أنفسهم
فعل کلّ من الطاعۀ و العصیان، تمهیدا لصحۀ التکلیف و الاختبار، فقد مکنهم علی هذا الجموح و تلک المقاومۀ تجاه الحق.
و أیضا فإنّ خذلانه تعالی لهم و منعهم شمول لطفه الخاص، علی اثر استکبارهم عن قبول الهدي، جعله تعالی کأنّه هو الذي ختم علی
قلوبهم و علی سمعهم و جعل علی أبصارهم غشاوة. قال تعالی: أَ فَرَأَیْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ، وَ أَضَلَّهُ اللَّهُ عَلی عِلْمٍ وَ خَتَمَ عَلی سَمْعِهِ وَ
فقد جاء فی هذه الآیۀ الختم و الغشاء تفسیرا لاضلاله تعالی .«2» قَلْبِهِ. وَ جَعَلَ عَلی بَصَرِهِ غِشاوَةً. فَمَنْ یَهْدِیهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ، أَ فَلا تَذَکَّرُونَ
الذي هو خذلان و ترك لهم فی ظلمات لا یبصرون. قال تعالی:
و الآیات یفسر بعضها بعضا. .«3» وَ لا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ عَنْ ذِکْرِنا وَ اتَّبَعَ هَواهُ وَ کانَ أَمْرُهُ فُرُطاً
و أخیرا فلو کان اللّه هو ختم علی قلوبهم فلا یؤمنون إلّا قلیلا، فما هو السبب المبرر لتوجیه الملامۀ إلیهم و ذلک الاستنکار فی قوله
إلی غیرهما .«5» و قوله: وَ ما مَنَعَ النَّاسَ أَنْ یُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدي إِلَّا أَنْ قالُوا أَ بَعَثَ اللَّهُ بَشَراً رَسُولًا .«4» تعالی: فَما لَهُمْ لا یُؤْمِنُونَ
یعنی: کفرا و شکّا. و ذلک یدلّ علی أنّه تعالی یخلق الشک و الکفر فی قلوب «6» من آیات؟! 5- فِی قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً
الکافرین و المنافقین.
و الجواب: انّ المقصود بالمرض فی الآیۀ هو الانحراف و المیل إلی الفساد، کما أنّ الجسم إذا انحرف عن استقامته فی الصحۀ کان
. مریضا، کذلک الروح إذا ( 1) البقرة: 88
. 2) الجاثیۀ: 33 )
. 3) الکهف: 28 )
. 4) الانشقاق: 20 )
صفحۀ 124 من 268
. 5) الاسراء: 94 )
. 6) البقرة: 10 )
ص: 216
انحرفت عن جادة العقل و أخذت فی معاکسۀ الفطرة، فانّها مریضۀ، تشبیها لغیر المحسوس بالمحسوس.
و السبب فی هذا المرض الروحی هو التفریط فی عدم تموین الروح بما یلائمها من غذاء سلیم فی هدي العقل الرشید. و کلما استبد
صاحبه فی هذا الانعطاف غیر الطبیعی، ازداد اعوجاجا عن الجادة الوسطی المستقیمۀ، و اقترابا إلی ملتویات الطریق، و أخیرا إلی
سقوط هائل فی مهاوي الضلال السحیق.
.«1» فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ
و لا شکّ أنّ الأخذ فی زیادة الانحراف کان باصرارهم علی العناد و اللجاج، و تمکن إبلیس من قلوبهم و استحواذه علی مشاعرهم
فهم لا یفقهون، غیر أنّ نسبۀ ذلک إلی اللّه کانت بمناسبۀ أنّه- عزّ و جلّ- أقدرهم علی ذلک لحکمۀ التکلیف و الاختبار لِئَلَّا یَکُونَ
.«2» لِلنَّاسِ عَلَی اللَّهِ حُجَّۀٌ بَعْدَ الرُّسُلِ
مع ،«3» و من ثمّ قد نري نسبۀ ما یفعله الشیطان إلی اللّه تعالی، لنفس السبب. قال تعالی: إِنَّ الَّذِینَ لا یُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَیَّنَّا لَهُمْ أَعْمالَهُمْ
أنّه قال تعالی:
.«5» و قال: فَزَیَّنَ لَهُمُ الشَّیْطانُ أَعْمالَهُمْ .«4» وَ زَیَّنَ لَهُمُ الشَّیْطانُ أَعْمالَهُمْ
إلی غیرها من آیات. .«6» و قال: وَ إِذْ زَیَّنَ لَهُمُ الشَّیْطانُ أَعْمالَهُمْ
فذکر أنّ الطغیان من فعله تعالی فیهم، مضافا إلی إسناد الاستهزاء إلی نفسه .«7» -6 اللَّهُ یَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَ یَمُدُّهُمْ فِی طُغْیانِهِمْ یَعْمَهُونَ
تعالی، دلیلا علی أنّه یخلق فیهم هذه الأفعال! و الجواب: أنّ المد فی الطغیان عبارة اخري عن الخذلان الذي استوجبوه لانفسهم مغبۀ
. لجاجهم فی الجموح. بدلیل ما بعده من قوله: ( 1) الصف: 5
. 2) النساء: 165 )
. 3) النمل: 4 )
. 4) العنکبوت: 38 ، و النمل: 24 )
. 5) النحل: 63 )
. 6) الانفال: 48 )
. 7) البقرة: 15 )
ص: 217
إذ لا یصح هذا الوصف إلّا إذا کانوا هم اختاروا .«1» أُولئِکَ الَّذِینَ اشْتَرَوُا الضَّلالَۀَ بِالْهُدي فَما رَبِحَتْ تِجارَتُهُمْ وَ ما کانُوا مُهْتَدِینَ
هنا، کما لا یخفی. « الاشتراء » الضلالۀ علی الهدي، و إلّا فلو کان ذلک من فعل غیرهم لم یجز اطلاق لفظ
و أمّا نسبۀ الاستهزاء إلیه تعالی فهی معاکسۀ طبیعیۀ کانت علی اثر تقصیرهم فی العمل الانسانی، حیث المنافق- فی سلوکه المزدوج-
یستهدف مصالح یبتغیها وراء أعماله الاجرامیۀ، و یظن أنّه یبلغها فی ستار نفاقه المراوغ.
غیر أنّ الواقعیۀ تعاکسه فی کلّ ما یبتغیه من أهداف، و تفضحه بین حین و آخر فی سلوکه ذلک المزدوج الخبیث غیر الانسانی، فضلا
إذن فسلوك المنافق المزدوج هو الذي جلب علی نفسه الفشل و دوام «2» عن عیشته تلک القلقۀ المضطربۀ یَحْسَبُونَ کُلَّ صَیْحَۀٍ عَلَیْهِمْ
الاضطراب فی عیشۀ غیر هنیئۀ، الأمر الذي جعله سخریۀ الواقع و موضع استهزاء عارم. انّها واقعیۀ مرة یجابهها المنافق مغبۀ خطئه فی
السلوك.
صفحۀ 125 من 268
یدلّ علی أنّهم ممنوعین من الایمان. «3» -7 صُمٌّ بُکْمٌ عُمْیٌ فَهُمْ لا یَرْجِعُونَ
و الجواب: انّه مبالغۀ و تشبیه، لأنّهم لما لم ینتفعوا بهذه الحواس صاروا کأنّهم فاقدین لها، کما فی قوله تعالی: إِنَّکَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتی وَ
و قال الشاعر: .«4» لا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِینَ
لقد اسمعت لو نادیت حیا و لکن لا حیاة لمن تنادي
هلّا یدل علی أنّ الاضلال من فعله تعالی؟ «5» -8 یُضِلُّ بِهِ کَثِیراً وَ یَهْدِي بِهِ کَثِیراً
. و الجواب: انّ هذا من کلام اولئک الذین کفروا، و من ثمّ جاءهم الرد ( 1) البقرة: 16
. 2) المنافقون: 4 )
. 3) البقرة: 18 )
. 4) النمل: 80 )
. 5) البقرة: 26 )
ص: 218
و الاستنکار علی هذا الکلام: وَ ما یُضِ لُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِینَ. أي لا ینحرف بالأمثال التی یضربها اللّه، إلّا الذین فی قلوبهم مرض، فهم
الذین تضجرهم الامثال، حیث إنّها تفضحهم و تنهکم من موقفهم الشانئ. فمعنی الاضلال علی ذلک: انّه یزید فی عتوهم و غیظا فی
صدور.
یدلّ علی أنّه تعالی خلق الاشراك مزجا فی قلوبهم. «1» -9 وَ أُشْرِبُوا فِی قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِکُفْرِهِمْ
و الجواب: أنّ ذلک مبالغۀ فی تمکن حب الشیء من القلب، کأنّه اشرب قلبه ذلک، فهو کنایۀ عن شدة تمسکهم بالعجل و اعجابهم
بعبادته.
یدلّ علی أنّ اضرار السحر إنّما هو بإرادته تعالی. «2» -10 وَ ما هُمْ بِضارِّینَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ
و الجواب: قد أسلفنا أنّ إذنه تعالی فی التأثیر و التأثر عبارة عن تحکیم قانون العلیّۀ ربطا بین الحوادث، وفق سنۀ اللّه التی جرت فی
الخلق، فهو تعالی أفاض علی القوي تأثیراتها من فاعل و قابل، و هو تعالی یمدها کذلک، و لو شاء لأوقف تأثیراتها إذا قطع عنها
.«3» افاضته الدائمۀ. و قد تقدم تفصیله
یدلّ علی أنّ الاسلام من فعله تعالی یجعله حیث یشاء. «4» -11 رَبَّنا وَ اجْعَلْنا مُسْلِمَیْنِ لَکَ
و الجواب: تقدم أنّ ذلک طلب التوفیق و التسدید و تمهید السبل نحو المطلوب الحق، بدلیل وَ أَرِنا مَناسِکَنا وَ تُبْ عَلَیْنا.
و لو کان تعالی هدي الکل لم یستقم هذا الکلام. «5» -12 یَهْدِي مَنْ یَشاءُ إِلی صِراطٍ مُسْتَقِیمٍ
. و الجواب: أنّ الهدایۀ هنا بمعنی اللطف الخاص یمنحها للذین جاهدوا فی ( 1) البقرة: 93
. 2) البقرة: 102 )
. 3) راجع: صفحۀ: 176 و 182 )
. 4) البقرة: 128 )
. 5) البقرة: 142 )
ص: 219
اللّه و اتبعوا رضوانه فهداهم سبل السلام. و قد تقدم ذلک.
.«1» -13 وَ لَوْ شاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا، وَ لکِنَّ اللَّهَ یَفْعَلُ ما یُرِیدُ
المشیئۀ هنا تکوینیۀ- حسبما أسلفنا- أي لو شاء ربک أن یمنعهم عن المقاتلۀ منع إلجاء لفعل، لکنه تعالی یفعل ما یرید، أي یجعلهم
صفحۀ 126 من 268
مختارین فیما یشاءون لحکمۀ التکلیف و الاختبار.
.«2» -14 اللَّهُ وَلِیُّ الَّذِینَ آمَنُوا یُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَی النُّورِ
تقدم: أنّ للهدي درجات متلاحقۀ، و کل درجۀ فهی بالاضافۀ إلی سابقتها نور، و بالاضافۀ إلی لاحقتها ظلمۀ، حسب درجات النور
المتفاوتۀ. و المؤمن فی سیره التصاعدي آخذ دائما من مرحلۀ نورانیۀ إلی أنور، بحیث لو رجع إلیها لکان رجوعا من نور إلی ظلام،
کما هو فی الکافر- فعلا- کذلک، انّه یسیر سیرا قهقریا من نور إلی ظلمۀ و إلی اظلم و هکذا.
.«3» -15 وَ اللَّهُ لا یَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِینَ
تقدم: انّه بمعنی أنّهم لا ینتفعون بهدیه تعالی لتوغلهم فی الضلال و مرونتهم علی العصیان و الطغیان. فمنعهم اللّه لطفه الخاص لعدم
استعدادهم و عدم قابلیتهم للاستفاضۀ من ذلک المنهل الإلهی العذب.
.«4» -16 لَیْسَ عَلَیْکَ هُداهُمْ وَ لکِنَّ اللَّهَ یَهْدِي مَنْ یَشاءُ
و الآیۀ تسلیۀ النبیّ (صلّی اللّه علیه و آله و سلّم) و بیان عدم مسئولیته تجاه عدم .«5» أي فَذَکِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَکِّرٌ لَسْتَ عَلَیْهِمْ بِمُ َ ص یْطِرٍ
قبول دعوته من هؤلاء العتاة الطغاة، حیث هو مسئول عن البلاغ و الاداء. أمّا التأثیر و القبول فهذا شیء لا یمسه فَإِنْ أَعْرَضُوا فَما
. 1) البقرة: 253 ) .«6» أَرْسَلْناكَ عَلَیْهِمْ حَفِیظاً إِنْ عَلَیْکَ إِلَّا الْبَلاغُ
. 2) البقرة: 257 )
. 3) البقرة: 258 )
. 4) البقرة: 272 )
.22 - 5) الغاشیۀ: 21 )
. 6) الشوري: 48 )
ص: 220
نعم لو شاء اللّه ان یهدیهم بالجائهم علی الهدي لفعل، لکنه تعالی جعل لهم الاختیار فی قبول الدعوة، لحکمۀ التکلیف و الاختیار.
فالمشیئۀ علی هذا تکوینیۀ و یمکن أن تکون الهدایۀ المقصودة هنا هو التوفیق و التسدید، و قد شاءها اللّه لعباده المجاهدین فی سبیله.
طلب للمزید من التوفیق و تسدید الخطی نحو الصواب، لئلا ینحرف بهم الهوي و نزعات هذه «1» -17 رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَیْتَنا
الحیاة الدنیا إلی مهاوي الضلال، فتزیغ قلوبهم عن ذکر اللّه، فلا یسلموا من شرور الشیطان و وساوسه الخداعۀ، نستعیذ منه إلی اللّه.
و یوضح هذا المعنی قوله تعالی بعد ذلک: وَ هَبْ لَنا مِنْ لَدُنْکَ رَحْمَۀً إِنَّکَ أَنْتَ الْوَهَّابُ.
و هم الذین جاهدوا فی سبیل اللّه ابتغاء وجهه و ابتغاء رضوانه، و لیس اعتباطا کما زعم الخصم. .«2» -18 وَ اللَّهُ یُؤَیِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ یَشاءُ
زینتها لهم أنفسهم فرأوها جمالا و زینۀ. .«3» -19 زُیِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ
علی أنّ فی هذا التزیین حکمۀ ربانیۀ، و لولاه لما عمرت الأرض و لما ازدهرت الحضارة الانسانیۀ التی طبقت أرجاء العالم و تکاد
تسري إلی جوّ السماء. و لا نقطع التناسل البشري المتوسع عبر الساعات و الأیام.
نعم حدد الشارع المقدس لاستعمالها حدودا و موازین، إن هم جاوزوها کانت وبالا و أعقبت آثاما، إِنَّما أَمْوالُکُمْ وَ أَوْلادُکُمْ فِتْنَۀٌ وَ
.«4» اللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِیمٌ
. أي الدلالۀ التی ینبغی السیر فی ضوئها ( 1) آل عمران: 8 «5» -20 قُلْ إِنَّ الْهُدي هُدَي اللَّهِ
. 2) آل عمران: 13 )
. 3) آل عمران: 14 )
. 4) التغابن: 15 )
صفحۀ 127 من 268
. 5) آل عمران: 73 )
ص: 221
هی دلالۀ اللّه التی جاءت فی شرائعه و أحکامه و تکالیفه، علی ید رسله و أنبیائه. و أمّا الدلالۀ علی غیر هذا السبیل فمسلکها إلی
.«1» !؟ الضلال البعید أَ فَغَیْرَ دِینِ اللَّهِ یَبْغُونَ
هو التفضل بمزید التوفیق، و افاضۀ الفیوض القدسیۀ، لا یبتغیها أحد من سوي اللّه عز شأنه. «2» -21 قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِیَدِ اللَّهِ
أي استسلم و خضع. و هذه مقایسۀ .«3» -22 أَ فَغَیْرَ دِینِ اللَّهِ یَبْغُونَ وَ لَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِی السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ طَوْعاً وَ کَرْهاً وَ إِلَیْهِ یُرْجَعُونَ
بین عبادة ربّ خضعت له أرجاء الکون و عبادة أصنام یبول علیها الثعلبان؟! قال شاعرهم:
أرب یبول الثعلبان برأسه لقد ذل من بالت علیه الثعالب
تقدم أنّها هدایۀ توفیق و تسدید و مزید لطف و عنایۀ، لا یستأهلها اولئک الذین «4» -23 کَیْفَ یَهْدِي اللَّهُ قَوْماً کَفَرُوا بَعْدَ إِیمانِهِمْ
سعوا فی آیات اللّه معاجزین.
أي بتوفیقه تعالی و تسدیده و مزید عنایته، بتقویۀ ایمان المنتصرین و ارعاب جانبهم. «5» -24 وَ مَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ
نفی لمسئولیته (صلّی اللّه علیه و آله) تجاه الدعوة، و تأثیرها فی قلوب القوم. إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَ لِکُلِّ «6» -25 لَیْسَ لَکَ مِنَ الْأَمْرِ شَیْءٌ
.«7» قَوْمٍ هادٍ
.«9» إِنْ عَلَیْکَ إِلَّا الْبَلاغُ .«8» فَلا تَذْهَبْ نَفْسُکَ عَلَیْهِمْ حَسَراتٍ
و إلّا فالرسول (صلّی اللّه علیه و آله) مسئول عن تبلیغ الدعوة و البیان:
. 1) آل عمران: 83 ) .«10» وَ إِنَّکَ لَتَهْدِي إِلی صِراطٍ مُسْتَقِیمٍ
. 2) آل عمران: 73 )
. 3) آل عمران: 83 )
. 4) آل عمران: 86 )
. 5) آل عمران: 126 )
. 6) آل عمران: 128 )
. 7) الرعد: 7 )
. 8) فاطر: 8 )
. 9) الشوري: 48 )
. 10 ) الشوري: 52 )
ص: 222
-26 إِنْ یَمْسَسْکُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ، وَ تِلْکَ الْأَیَّامُ نُداوِلُها بَیْنَ النَّاسِ، وَ لِیَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِینَ آمَنُوا وَ یَتَّخِذَ مِنْکُمْ شُهَداءَ، وَ اللَّهُ
.«1» لا یُحِبُّ الظَّالِمِینَ
أي أنّ الحروب لا تستمرّ علی وتیرة واحدة، فربما کانت لهم و ربما کانت علیهم، و إن کانت النصرة، علی جمیع الأحوال، و فی نهایۀ
المطاف مع المؤمنین، لأنّه تعالی لا یخذلهم، و هم ان غلبوا أحیانا فهو اختبار لایمانهم و المزید من مثوبتهم علی الصبر و الثبات، و
لیعلموا أنّ هذه الحیاة منغصۀ، لا تستمر احوالها علی سواء، فلا ینبغی الرکون إلیها، و إنّما الهناء الخالص مع الآخرة، و انّها هی التی
یجب السعی إلیها، و من ثمّ قال: و لیعلم ... الخ أي لیتبین الثابت ایمانه عن الذي یعبد اللّه علی حرف. و قوله: لا یحب الظالمین. بیان
أنّ ما قد یحصل للکافر من الکرة له، لیس اکراما لجانبه، و إنّما هو استدراج له فضلا عما فیه من المصلحۀ للمؤمنین. فلم تکن تلک
صفحۀ 128 من 268
نصرة و حبا للظالم فی الحقیقۀ.
تبین معناه فی الآیۀ المتقدمۀ. فضلا عن کونه عقوبۀ لما بدر منهم من تنازع و فشل و رغبۀ فی .«2» -27 ثُمَّ صَ رَفَکُمْ عَنْهُمْ لِیَبْتَلِیَکُمْ
حطام الدنیا یوم أحد.
.«3» -28 و هکذا قوله: فَأَثابَکُمْ غَ  ما بِغَمٍّ
و قد تقدم وجه نسبۀ ما یفع- خارجا من حوادث و مظاهر- إلیه تعالی، حیث امداده القوي و استمرار الافاضۀ علیها عبر الآنات، سنۀ
اللّه التی جرت فی الخلق.
یدلّ علی أنّ الامور کلّها بید اللّه، یدبرها کیف شاء وفق مصلحته الکبري الشاملۀ و هو رب العالمین. لکن «4» -29 قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ کُلَّهُ لِلَّهِ
. ذلک ( 1) آل عمران: 140
. 2) آل عمران: 152 )
. 3) آل عمران: 153 )
. 4) آل عمران: 154 )
ص: 223
لا یستدعی الإجبار و الإلجاء بعد أن کانت المصلحۀ تستدعی اختیار الناس فیما یزاولون، لحکمۀ التکلیف و الاختبار. فاللّه تعالی جعل
من الامور تترتب بعضها علی بعض حسب سلسلۀ المعالیل التی رکبها فی طبیعۀ الأشیاء. فإذا ما فعل الانسان أمرا فإنّ له آثارا تترتب
علیه لا محالۀ فهو بذاته مسئول عنها و ان کان ذلکم الترتب هو صنیعه تعالی، حسبما تقدم تحقیقه.
.«1» -30 وَ لا یَحْزُنْکَ الَّذِینَ یُسارِعُونَ فِی الْکُفْرِ، إِنَّهُمْ لَنْ یَضُرُّوا اللَّهَ شَیْئاً، یُرِیدُ اللَّهُ أَلَّا یَجْعَلَ لَهُمْ حَ  ظا فِی الْآخِرَةِ
قالت الأشاعرة: یدل علی أنّه تعالی هو الذي یرید منهم الکفر و أن یصیروا إلی جهنم! و الجواب: أنّه تعالی انّما یرید أن لا یجعل لهم
حظا فی الآخرة، بسبب کفرهم و هذا کقولنا: ارید معاقبۀ فلان لأنّه خالف أمري. و إلّا فلو کان تعالی هو الذي أراد منهم الکفر لم
یصح کون الآیۀ تسلیۀ للنبی (صلّی اللّه علیه و آله) و لا کونها انکارا لاذعا بمسارعتهم إلی الکفر! و غایۀ الأمر أنّ فی الآیۀ تلمیحا إلی
استدراجهم علی الکفر معاقبۀ لهم، و معاکسۀ مع لجاجهم مع الحق.
أیضا استدراج عقوبۀ علی .«2» -31 و هکذا قوله: وَ لا یَحْسَ بَنَّ الَّذِینَ کَفَرُوا أَنَّما نُمْلِی لَهُمْ خَیْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ، إِنَّما نُمْلِی لَهُمْ لِیَزْدادُوا إِثْماً
اصرارهم فی الغیّ و العناد.
أي یکون أثر هذا الاستدراج هی .«3» لام العاقبۀ، کما فی قوله: فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِیَکُونَ لَهُمْ عَدُ  وا وَ حَزَناً « لیزدادوا » و اللام فی
فی فصل خاص. « الاستدراج » الزیادة فی الاثم و الکفر. و سنبحث عن مسألۀ
. 1) آل عمران: 176 ) .«4» -32 أَ لَمْ تَرَ إِلَی الَّذِینَ یُزَکُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ یُزَکِّی مَنْ یَشاءُ
. 2) آل عمران: 178 )
. 3) القصص: 8 )
. 4) النساء: 49 )
ص: 224
استدلت الأشاعرة بهذه الآیۀ علی أنّ الایمان لیس اختیاریا، و إنّما هو فعله تعالی یجعل من یشاء مؤمنا و من یشاء کافرا.
و الجواب: أنّ التزکیۀ- هنا- اخبار عن طهارة النفس و مدح بحسن الأحوال فلا ینبغی لأحد أن یخبر عن نفسه بحسن النیۀ و طیب
السیرة، بل اللّه هو الذي یعلم الخبیث من الطیب.
.«1» -33 أَ تُرِیدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ وَ مَنْ یُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِیلًا
صفحۀ 129 من 268
و الاضلال- هنا- خذلان و عقوبۀ عاجلۀ علی لجاجهم فی الکفر، بدلیل صدر الآیۀ فَما لَکُمْ فِی الْمُنافِقِینَ فِئَتَیْنِ وَ اللَّهُ أَرْکَسَ هُمْ بِما
کَسَبُوا.
المشیئۀ هنا تکوینیۀ، و لم یردها اللّه بشأن هذه الحیاة فیما یخص باب التکالیف و التمحیص و .«2» -34 وَ لَوْ شاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَیْکُمْ
الاختبار.
تمسک بها .«3» -35 إِنَّ الَّذِینَ آمَنُوا ثُمَّ کَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ کَفَرُوا، ثُمَّ ازْدادُوا کُفْراً، لَمْ یَکُنِ اللَّهُ لِیَغْفِرَ لَهُمْ وَ لا لِیَهْدِیَهُمْ سَبِیلًا
الأشعري علی أنّه تعالی أضل الکافر و لم یهده السبیل.
و الجواب: أنّ هذه المعاودة علی الکفر و اللعب بأمر الدین، هو الذي جعلهم بمعزل عن جادة الهدي و الطریق الوسطی، فلم یهتدوا
إلی سبل السلام، و حرموا غفرانه تعالی و استحقوا الخذلان.
-36 فَبِما نَقْضِ هِمْ مِیثاقَهُمْ وَ کُفْرِهِمْ بِآیاتِ اللَّهِ وَ قَتْلِهِمُ الْأَنْبِیاءَ بِغَیْرِ حَقٍّ وَ قَوْلِهِمْ قُلُوبُنا غُلْفٌ. بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَیْها بِکُفْرِهِمْ فَلا یُؤْمِنُونَ إِلَّا
.«4» قَلِیلًا
تقدم أنّ الطبع و الختم علی القلوب کنایۀ عن استفزازهم لقبول الحق، فکأنّهم و قبول الحق شیئان متنافران أحدهما عن الآخر. و هی
. حالۀ جمود نفسی تحصل علی أثر الانهماك فی الفساد و الاصرار علی الکفر و الطغیان ( 1) النساء: 88
. 2) النساء: 90 )
. 3) النساء: 137 )
. 4) النساء: 155 )
ص: 225
فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ. و من ثمّ علل الطبع بکفرهم. و سنتکلم عن الطبع و الختم فی فصل قادم.
.«1» -37 ما یُرِیدُ اللَّهُ لِیَجْعَلَ عَلَیْکُمْ مِنْ حَرَجٍ، وَ لکِنْ یُرِیدُ لِیُطَهِّرَکُمْ وَ لِیُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَیْکُمْ لَعَلَّکُمْ تَشْکُرُونَ
.«2» الإرادة- هنا- تشریعیۀ. و من ثمّ قد تتخلف عن المراد، حسبما أسلفنا البحث عنها
قالت الأشاعرة: و معلوم من قسوة قلوبهم أنّه بالکفر، فإذا کان اللّه قد جعلها .«3» -38 فَبِما نَقْضِهِمْ مِیثاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَ جَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِیَۀً
قاسیۀ فقد خلق فیها الکفر.
و الجواب: أنّ هذا القساء و الجفاء إنّما کان علی أثر ذلک اللجاج و العناد مع الحق، و قد عبّر عن هذه القسوة فی مواضع آخر من
القرآن بالختم و الطبع و فی غلاف و أمثال ذلک من تعابیر، کلها تنمّ عن حالۀ نفسیۀ جافیۀ کانت للیهود، هم أوجدوها لأنفسهم بعد
إعراضهم عن الحق و إصرارهم علی الباطل.
أمّا النسبۀ إلی اللّه فقد تقدم أنّها باعتبار أنّه تعالی أقدرهم علی رفض الحق کما أقدرهم علی القبول، لحکمۀ التکلیف و الاختبار،
فرفضوه باختیارهم، لا أنّه تعالی أجبرهم علی الرفض أو أراد منهم الکفر، سواء بإرادة تکوینیۀ أم بإرادة تشریعیۀ. لأنّ ذلک یتنافی و
توجیه ذلک الإنکار و الذم إلیهم بالذات.
و معنی الآیۀ: أنّهم نقضوا المیثاق و خالفوا عهد ربهم، فلعنهم و أبعدهم عن رحمته، و من ثمّ قست قلوبهم فجعلوا یحرّفون الکلم عن
مواضعه بهتانا و زورا.
-39 و علی هذا النمط جاءت الآیۀ التالیۀ بشأن النصاري: وَ مِنَ الَّذِینَ قالُوا إِنَّا نَصاري أَخَذْنا مِیثاقَهُمْ فَنَسُوا حَ  ظا مِمَّا ذُکِّرُوا بِهِ، فَأَغْرَیْنا
. 1) المائدة: 6 ) .«4» بَیْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَ الْبَغْضاءَ إِلی یَوْمِ الْقِیامَۀِ
. 2) راجع صفحۀ: 170 )
. 3) المائدة: 13 )
صفحۀ 130 من 268
. 4) المائدة: 14 )
ص: 226
أي بما أنّهم ترکوا شریعۀ اللّه المستقیمۀ، و نبذوا منهاجه القویم، أخذت دواعی الاختلاف و التکالب علی حطام الدنیا، تدبّ فی
و وجه النسبۀ إلیه تعالی هو .«1» أعراقهم و ترسب جذوره فی أعماقهم، حیث مختلف النزعات و الاهواء، فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ
الوجه فی الآیۀ المتقدمۀ.
-40 وَ مَنْ یُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِکَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَیْئاً، أُولئِکَ الَّذِینَ لَمْ یُرِدِ اللَّهُ أَنْ یُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ، لَهُمْ فِی الدُّنْیا خِزْيٌ وَ لَهُمْ فِی الْآخِرَةِ
.«2» عَذابٌ عَظِیمٌ
هؤلاء هم الذین عاندوا الحق و أخذوا فی اتجاه معاکس للانسانیۀ، و من ثمّ ابتعدوا عن معالم الهدي و عن المنهج المستقیم فتحملوا
خزي الحیاة و استحقوا سوء العذاب.
بدلیل صدر الآیۀ: یا أَیُّهَا الرَّسُولُ لا یَحْزُنْکَ الَّذِینَ یُسارِعُونَ فِی الْکُفْرِ مِنَ الَّذِینَ قالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ وَ لَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَ مِنَ الَّذِینَ
هادُوا سَمَّاعُونَ لِلْکَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِینَ لَمْ یَأْتُوكَ یُحَرِّفُونَ الْکَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ ....
.«4» أو الامتحان بالتکلیف إِنْ هِیَ إِلَّا فِتْنَتُکَ .«3» و الفتنۀ هی العقاب الصارم یَوْمَ هُمْ عَلَی النَّارِ یُفْتَنُونَ
فمعنی الآیۀ: انّ من یرد اللّه أن یعاقبه لمعاندته للحق و لسوء أعماله الهدامۀ، فلن تملک له من اللّه شیئا. انّهم ممن استحقوا الخذلان و
سوء العذاب.
-41 وَ لَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَکُمْ أُمَّۀً واحِ دَةً، وَ لکِنْ لِیَبْلُوَکُمْ فِی ما آتاکُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَیْراتِ إِلَی اللَّهِ مَرْجِعُکُمْ جَمِیعاً فَیُنَبِّئُکُمْ بِما کُنْتُمْ فِیهِ
.«5» تَخْتَلِفُونَ
المشیئۀ فی الآیۀ تکوینیۀ، و من ثمّ لم یشأها، لمنافاتها لحکمۀ التکلیف و الاختبار یدل علی ذلک نفس التعلیل الوارد فی الآیۀ وَ لکِنْ
. لِیَبْلُوَکُمْ أي لم یشأ الإلجاء علی الإیمان لغرض الاختبار. و لذلک عقبها بالأمر- و هی إرادة ( 1) یونس: 32
. 2) المائدة: 41 )
. 3) الذاریات: 13 )
. 4) الاعراف: 155 )
. 5) المائدة: 48 )
ص: 227
تشریعیۀ- بالاستباق الی الخیرات.
-42 قُلْ هَلْ أُنَبِّئُکُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذلِکَ مَثُوبَۀً عِنْدَ اللَّهِ، مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَ غَضِبَ عَلَیْهِ وَ جَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَ الْخَنازِیرَ وَ عَبَدَ الطَّاغُوتَ، أُولئِکَ
.«1» شَرٌّ مَکاناً وَ أَضَلُّ عَنْ سَواءِ السَّبِیلِ
قالت الأشاعرة: تدل الآیۀ أنّه تعالی هو خلق من عبد الطاغوت و جعله کذلک.
و الجواب: أنّ ذلک عقوبۀ علی کفرهم و لجاجهم مع الحق، و مداومتهم علی الدسائس الفتاکۀ، فخذلهم اللّه و أخزاهم و سلبهم
الشعور بموقفهم الانسانی الکریم، فذلّوا و ابتذلت شخصیتهم المنحطّۀ، و اذاهم امّۀ منفورة فاقدة لحقوقها الاممیۀ، داخلۀ فی طاعۀ امم
اخري، متحملۀ نیر المذلۀ عبر الحیاة. الأمر الذي هو من أشد العقوبات التی أصابت الیهود طول التاریخ و لا یزال. انّهم الیوم اصبحوا
آلۀ صماء فی ید طواغیت الأرض یعبثون بهم کیف شاءت أهواؤهم الخبیثۀ فی العیث و الفساد.
بشأن الیهود العنود. و هی معجزة قرآنیۀ خالدة. « عبد الطاغوت » هذا هو تفسیر
.«2» -43 وَ لَیَزِیدَنَّ کَثِیراً مِنْهُمْ ما أُنْزِلَ إِلَیْکَ مِنْ رَبِّکَ طُغْیاناً وَ کُفْراً
صفحۀ 131 من 268
قالوا: انّها تدل علی أنّ القرآن یبعث علی کفر کثیر من المکلفین.
و الجواب: أنّ المعنی: أنّهم یزدادون کفرا و طغیانا غیظا و حسدا، عند ما یرون من رواج هذا الدین و ازدهار شریعۀ سید المرسلین وَ
وَ إِذا خَلَوْا عَضُّوا عَلَیْکُمُ الْأَنامِلَ مِنَ الْغَیْظِ، قُلْ مُوتُوا .«3» نُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَ رَحْمَ ۀٌ لِلْمُؤْمِنِینَ وَ لا یَزِیدُ الظَّالِمِینَ إِلَّا خَساراً
. 1) المائدة: 60 ) .«4» بِغَیْظِکُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِیمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ
. 2) المائدة: 64 )
. 3) الاسراء: 82 )
. 4) آل عمران: 119 )
ص: 228
و قد مرّ .«1» -44 وَ مِنْهُمْ مَنْ یَسْتَمِعُ إِلَیْکَ وَ جَعَلْنا عَلی قُلُوبِهِمْ أَکِنَّۀً أَنْ یَفْقَهُوهُ وَ فِی آذانِهِمْ وَقْراً وَ إِنْ یَرَوْا کُلَّ آیَۀٍ لا یُؤْمِنُوا بِها
نظیرها، و انّها کنایۀ عن القسوة و الجفاء الذي مرّنوا علیه حتی صار کالطبع لهم. بدلیل الآیۀ بعدها:
و لو کان ذلک من فعله تعالی لما صحّ هذا التعبیر و التوبیخ .«2» وَ هُمْ یَنْهَوْنَ عَنْهُ وَ یَنْأَوْنَ عَنْهُ وَ إِنْ یُهْلِکُونَ إِلَّا أَنْفُسَ هُمْ وَ ما یَشْعُرُونَ
اللاذع.
تقدم أنّ المشیئۀ هنا تکوینیّۀ. أمّا المشیئۀ التشریعیۀ فقد شاء اللّه أن یکونوا جمیعا علی .«3» -45 وَ لَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَی الْهُدي
الهدي، حیث ارسل رسله إلی کافۀ الناس و وجّه دعوته إلی الجمیع.
أي کأنّهم خشب .«4» -46 وَ الَّذِینَ کَ ذَّبُوا بِآیاتِنا صُمٌّ وَ بُکْمٌ فِی الظُّلُماتِ. مَنْ یَشَأِ اللَّهُ یُضْ لِلْهُ وَ مَنْ یَشَأْ یَجْعَلْهُ عَلی صِ راطٍ مُسْتَقِیمٍ
مسندة لا یعقلون شیئا و لا یهتدون. و من ثمّ حرموا توفیق هدایته تعالی التی خصها اللّه لمن سعی إلیه و استهدي لدیه. فهذا هو الذي
یشاء اللّه أن یجعله علی صراط مستقیم، أمّا الذي أعرض و تولّی فهو الذي یشاء اللّه أن یضلله أي یخذله، حیث هو مهّد لنفسه سبب
.«5» هذا الخذلان، وَ مَا اللَّهُ یُرِیدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ
أي خذلکم و ترککم فی ظلمات الغی تعمهون، علی أثر «6» -47 قُلْ أَ رَأَیْتُمْ إِنْ أَخَ ذَ اللَّهُ سَمْعَکُمْ وَ أَبْصارَکُمْ وَ خَتَمَ عَلی قُلُوبِکُمْ
هذا اللجاج و العناد الذي اتخذتموه تجاه وضح الحق الصراح. و قد تقدم الکلام فی مثله.
.«7» -48 وَ کَذلِکَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِیَقُولُوا أَ هؤُلاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَیْهِمْ مِنْ بَیْنِنا
کان (صلّی اللّه علیه و آله) یقرب فقراء المسلمین من نفسه و یلتزم مجالستهم، و قد شق ذلک علی أشراف العرب، فألزمهم الاسلام
. بترك أمثاله هذه النزعات الجاهلیۀ، و کان ذلک امتحانا لمبلغ رضوخهم لتعالیم الاسلام، غیر ( 1) الانعام: 25
. 2) الانعام: 26 )
. 3) الانعام: 35 )
. 4) الانعام: 39 )
. 5) غافر: 31 )
. 6) الانعام: 46 )
. 7) الانعام: 53 )
ص: 229
أن جماعۀ ممن تمکن فی قلوبهم حمیۀ الجاهلیۀ الاولی، و لم یستطیعوا الانقلاع عن حبائل الشیطان، کانوا لا یزالون یترفعون عن
مجالسۀ فقراء المسلمین، و یقولون:
أ هؤلاء منّ اللّه علیهم بالاسلام و بالهدي من بیننا؟!.
صفحۀ 132 من 268
و علیه فاللام فی الآیۀ للعاقبۀ، لا للتعلیل.
قالت الأشاعرة: الآیۀ تدل علی أنّه تعالی یجوز أن یشاء الشرك و الکفر! و .«1» -49 وَ لا أَخافُ ما تُشْرِکُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ یَشاءَ رَبِّی شَیْئاً
الجواب: أنّ إبراهیم (علیه السلام) استثنی من عدم مخاوفه، فانّه (علیه السلام) کان لا یهابهم و لا یهاب آلهتهم، معتقدا أنّهم لا
یضرونه شیئا. إلّا أن یشاء اللّه فیأذن فی إضراره کما فی آیۀ السحر.
.«3» انّها هدایۀ توفیق و تسدید إِنَّهُمْ فِتْیَۀٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَ زِدْناهُمْ هُديً .«2» -50 وَ اجْتَبَیْناهُمْ وَ هَدَیْناهُمْ إِلی صِراطٍ مُسْتَقِیمٍ
أیضا کذلک. .«4» -51 ذلِکَ هُدَي اللَّهِ یَهْدِي بِهِ مَنْ یَشاءُ مِنْ عِبادِهِ
تقدم أن لا عموم فی الآیۀ بحیث تشمل أفعال العباد، و انّما تعنی أعیان الموجودات، کلها مخلوقۀ للّه .«5» -52 وَ خَلَقَ کُلَّ شَیْءٍ
.«6» تعالی، و علی تقدیر شمولها للأفعال أیضا، فهو خلق تقدیر و تدبیر، أو بمعنی الایجاد، لکن تبعا لإرادة العبد حسبما تقدم تفصیله
انّها مشیئۀ تکوین لم یشأها اللّه لدار التکلیف و الاختبار. و قد تقدم الکلام فی ذلک. .«7» -53 وَ لَوْ شاءَ اللَّهُ ما أَشْرَکُوا
أي زینت لهم أنفسهم و زین لهم الشیطان أعمالهم. و أمّا الاستناد إلیه سبحانه فلما تقدم بیانه .«8» -54 کَ ذلِکَ زَیَّنَّا لِکُلِّ أُمَّۀٍ عَمَلَهُمْ
. من اسناد کل ( 1) الانعام: 80
. 2) الانعام: 87 )
. 3) الکهف: 13 )
. 4) الانعام: 88 )
. 5) الانعام: 101 )
. 6) راجع صفحۀ: 177 و 183 )
. 7) الانعام: 107 )
. 8) الانعام: 108 )
ص: 230
ما یقع فی الوجود إلی اللّه، حیث اقداره و امداده للقوي الفاعلۀ فی هذه الحیاة.
و أخیرا فان هذا التعبیر حکایۀ عن الاستدراج الذي هو عقوبۀ عاجلۀ للکافر المعاند المتمادي فی الغی و الضلال.
خذلان للکافر المعاند علی أثر لجاجه .«1» -55 وَ نُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَ أَبْصارَهُمْ کَما لَمْ یُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَ نَذَرُهُمْ فِی طُغْیانِهِمْ یَعْمَهُونَ
مع الحق.
تیئیس للنبیّ (صلّی اللّه علیه و آله) و اخبار عن ذلک الجفاء الذي انطوت علیه قلوبهم .«2» -56 ما کانُوا لِیُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ یَشاءَ اللَّهُ
القاسیۀ عن ذکر اللّه.
و أمّا المشیئۀ فیها فتکوینیۀ، المتنافیۀ مع التکلیف الاختیاري الذي هو تمهید للاختبار.
تسلیۀ للنبیّ (صلّی اللّه علیه و آله) و اخبار عن ابتلاء الانبیاء السلف- أیضا- باعداء ألداء، .«3» -57 وَ کَ ذلِکَ جَعَلْنا لِکُلِّ نَبِیٍّ عَدُ  وا
. فصبروا و ثبتوا علی دعوة الحق. و وجه الاستناد إلیه تعالی ما تقدم (ص 215 ) و سیجیء نظیر الآیۀ برقم: 178
أي بالالجاء المتنافی مع الاختیار فی التکلیف. .«4» -58 وَ لَوْ شاءَ رَبُّکَ ما فَعَلُوهُ
اللام فی الآیۀ للعاقبۀ، کما فی قوله تعالی: فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِیَکُونَ «5» -59 وَ کَذلِکَ جَعَلْنا فِی کُلِّ قَرْیَۀٍ أَکابِرَ مُجْرِمِیها لِیَمْکُرُوا فِیها
و معنی الآیۀ: أنّ الاوضاع القائمۀ فی المجتمعات البشریۀ غیر المهذبۀ، جعلت من الناس طبقۀ أکابرهم یستغلون .«6» لَهُمْ عَدُ  وا وَ حَزَناً
موارد طبقۀ الاصاغر ظلما و اجراما، و یحتالون فی الاستحواذ علی مشاعر الناس و إبقائهم فی الجهل و الضلال، غیر أنّ ( 1) الانعام:
.110
صفحۀ 133 من 268
. 2) الانعام: 111 )
. 3) الانعام: 112 )
. 4) الانعام: 112 )
. 5) الانعام: 123 )
. 6) القصص: 8 )
ص: 231
.«1» الظلم لا یدوم و سیدور علیهم الحق من حیث لا یشعرون سَیُصِیبُ الَّذِینَ أَجْرَمُوا صَغارٌ عِنْدَ اللَّهِ وَ عَذابٌ شَدِیدٌ بِما کانُوا یَمْکُرُونَ
و إلّا فلو کانت اللام للغایۀ لتنافت الآیۀ مع آیۀ الذاریات: 56 . و تلک محکمۀ، و من ثمّ یجب تأویل هذه علی حسابها.
.«2» -60 فَمَنْ یُرِدِ اللَّهُ أَنْ یَهْدِیَهُ یَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ. وَ مَنْ یُرِدْ أَنْ یُضِلَّهُ یَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَیِّقاً حَرَجاً کَأَنَّما یَصَّعَّدُ فِی السَّماءِ
الهدایۀ و الاضلال فی الآیۀ: توفیق و خذلان، و من ثمّ جاء التعقیب بقوله:
کَذلِکَ یَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَی الَّذِینَ لا یُؤْمِنُونَ.
.«4» فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ .«3» وَ یَزِیدُ اللَّهُ الَّذِینَ اهْتَدَوْا هُديً
أي بالالجاء المتنافی مع الاختیار فی التکلیف. .«5» -61 وَ لَوْ شاءَ اللَّهُ ما فَعَلُوهُ
.«6» -62 و هکذا قوله تعالی: فَلَوْ شاءَ لَهَداکُمْ أَجْمَعِینَ
قال الأشعري- مدافعا عن أخیه-: انّه تعالی هو أغوي ابلیس و اوقعه فی .«7» -63 قالَ فَبِما أَغْوَیْتَنِی لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِ راطَکَ الْمُسْتَقِیمَ
.( المعاصی، دلیلا علی أن الکفر و العصیان من فعله تعالی و إرادته. و قد تقدم نقل ذلک عنه (ص 62 و 70
و الجواب: انّ الغی جاء بمعان: الخیبۀ. الحرمان. حلول المضار. الهلاك.
الضلال. الجهل عن فساد عقیدة. و قد استعمل فی القرآن بکل هذه المعانی، و فی کلّ موضع ارید معنی غیر ما ارید من المواضع
. الأخر. و لیس هنا مجال تفصیل. ( 1) الانعام: 124
. 2) الانعام: 125 )
. 3) مریم: 76 )
. 4) الصف: 5 )
. 5) الانعام: 137 )
. 6) الانعام: 149 )
. 7) الاعراف: 16 )
ص: 232
و مما جاء بمعنی الخیبۀ و الحرمان، شاهدا لهذا الموضع، قول المرقش الأصغر فی قصیدة مطلعها:
الا یا أسلمی لا صرم لی الیوم فاطما و لا أبدا ما دام وصلک دائما
إلی أن یقول:
فمن یلق خیرا یحمد الناس أمره و من یغو لا یعدم علی الغی لائما
أي من یخیب فی عیشه أیضا یجد من یلومه و هکذا فی الآیۀ الکریمۀ یکون المعنی: رب بما خیبتنی و حرمتنی من فیض قدسک و
طردتنی من بابک، بسبب التکلیف الذي کلفتنی به بشأن آدم و حسبته شاقا علی نفسی فعصیتک و خالفتک، فکان ذلک سببا لهذا
الحرمان و اللعنۀ الأبدیۀ، سأقوم بمقابلۀ المثل بشأن آدم و ذریته، و ادبر لهم المکائد کی احرمهم من رحمتک و أبعدهم عن بابک.
صفحۀ 134 من 268
الهدایۀ هنا هو التوفیق و المزید من التسدید یختص به اولئک الذین جاهدوا فی اللّه «1» -64 فَرِیقاً هَدي وَ فَرِیقاً حَقَّ عَلَیْهِمُ الضَّلالَۀُ
سعیا وراء لقائه الکریم. و أمّا الفریق الآخر فهم الذین استحقوا الخذلان و استوجبوا لأنفسهم الخیبۀ و الحرمان.
عنایۀ ربانیۀ یمنحها البارئ تعالی بشأن المؤمنین حقا، و الذین اهتدوا زادهم هدي. .«2» -65 وَ نَزَعْنا ما فِی صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ
المراد من الأمر هنا: شئون التدبیر و التقدیر. بدلیل تمام الآیۀ: إِنَّ رَبَّکُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَ .«3» -66 أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَ الْأَمْرُ
الْأَرْضَ فِی سِتَّۀِ أَیَّامٍ ثُمَّ اسْتَوي عَلَی الْعَرْشِ، یُغْشِی اللَّیْلَ النَّهارَ یَطْلُبُهُ حَثِیثاً، وَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ وَ النُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ، أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَ
. فبعد أن ذکر خلق العالم ذکر تدبیر شئونه المختلفۀ، فقال: ألا له ( 1) الأعراف: 30 «4» الْأَمْرُ تَبارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعالَمِینَ
. 2) الاعراف: 43 )
. 3) الاعراف: 54 )
. 4) الاعراف: 54 )
ص: 233
.« تبارك اللّه ربّ العالمین » الخلق و الأمر. و من ثمّ ناسب التعقیب بذلک المدح اللائق
-67 قالَ الْمَلَأُ الَّذِینَ اسْتَکْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّکَ یا شُعَیْبُ وَ الَّذِینَ آمَنُوا مَعَکَ مِنْ قَرْیَتِنا، أَوْ لَتَعُودُنَّ فِی مِلَّتِنا قالَ أَ وَ لَوْ کُنَّا کارِهِینَ.
قَدِ افْتَرَیْنا عَلَی اللَّهِ کَذِباً إِنْ عُدْنا فِی مِلَّتِکُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْها. وَ ما یَکُونُ لَنا أَنْ نَعُودَ فِیها إِلَّا أَنْ یَشاءَ اللَّهُ رَبُّنا، وَسِعَ رَبُّنا کُلَّ شَیْءٍ
.«1» عِلْماً. عَلَی اللَّهِ تَوَکَّلْنا
ما هذه التنجیۀ؟ .« بعد إذ نجانا اللّه منها » : فی هذه الآیۀ مواضع من الکلام:- الاول
دلیل علی سلب قدرة العباد علی الکفر و الایمان، و انما هم ملجئون علی الدخول فی الکفر أو .« و ما یکون لنا أن نعود فیها » : الثانی
ما هذا الاستثناء؟ .« إلّا أن یشاء اللّه ربنا » : الایمان! الثالث
و الحل: أنّه تعالی نجاهم من الضلال بهدي التشریع أولا ثمّ بهدي التوفیق و التسدید، بعد أن أبدوا استعدادهم لمزید عنایته تعالی.
.«2» الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا وَ ما کُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْ لا أَنْ هَدانَا اللَّهُ
و أمّا الذي منعهم من العود إلی الضلال، فهو الوازع النفسی و شهادة وجدانهم الصریح، إذ من وضح لدیه الحق و شاهده بعیان، لا
یمکنه مخالفۀ ضمیره إذا کان متحررا عن وشائج الانحراف و حب التقلید الأعمی. إذ کیف یمکن لانسان حر العقیدة و الاختیار، و قد
و من ثمّ .«3» لمس الحقیقۀ و وجد الطریق إلی سعادة الحیاة، أن یترکها منعطفا إلی مهاوي الضلال؟! وَ مَنْ یَهْدِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ مُضِلٍّ
- قالوا: قَدِ افْتَرَیْنا عَلَی اللَّهِ کَذِباً إِنْ عُدْنا فِی مِلَّتِکُمْ! نعم، إلّا أن یشاء اللّه العود ظاهریا، عن اکراه علیهم أو اتقاه شرور ( 1) الاعراف: 88
.89
. 2) الاعراف: 43 )
. 3) الزمر: 37 )
ص: 234
الاعداء. قال تعالی: لا یَتَّخِ ذِ الْمُؤْمِنُونَ الْکافِرِینَ أَوْلِیاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِینَ. وَ مَنْ یَفْعَلْ ذلِکَ فَلَیْسَ مِنَ اللَّهِ فِی شَیْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ
و من ثم أحالوا حکم ذلک الی سعۀ علمه تعالی بمصالح الامور و دقیق حکمته فی التکلیف. .«1» تُقاةً
.«2» إِلَّا أَنْ یَشاءَ اللَّهُ رَبُّنا، وَسِعَ رَبُّنا کُلَّ شَیْءٍ عِلْماً
لکنهم فی واقع ضمیرهم کانوا یتوقعون النصرة من اللّه و النجاة الکاملۀ من براثن أهل الزیغ و الضلال عَلَی اللَّهِ تَوَکَّلْنا، رَبَّنَا افْتَحْ بَیْنَنا وَ
بَیْنَ قَوْمِنا بِالْحَقِّ وَ أَنْتَ خَیْرُ الْفاتِحِینَ. و کان اللّه قد وعد المؤمنین حقا بالفتح و الظفر فی نهایۀ المطاف کَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَ رُسُلِی
فکان منبعث قوتهم فی المقاومۀ تجاه أهل الشرك و الالحاد. .«3» إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِیزٌ
صفحۀ 135 من 268
و هنا نکتۀ أدق: إن من أدب العبد العارف بموقف مولاه الجلیل، أن لا یقطع فی أمر الا إذا علقه علی إرادة مولاه، حتی و لو کان واقفا
علی جلی الأمر.
و هکذا الأنبیاء لم یبرموا فی کلام قاطع الا و قد أحالوه علی مشیئۀ اللّه جلّ شأنه. وَ لا تَقُولَنَّ لِشَ یْءٍ إِنِّی فاعِلٌ ذلِکَ غَداً إِلَّا أَنْ یَشاءَ
.«4» اللَّهُ
قالت الأشاعرة: انها دلیل علی أنه تعالی هو الفاعل للحسنات و السیئات، و الا لم یصح التبدیل .«5» -68 ثُمَّ بَدَّلْنا مَکانَ السَّیِّئَۀِ الْحَسَنَۀَ
منه.
و الجواب: أن السیئۀ و الحسنۀ- هنا- هو الجدب و الرخاء، بدلیل الآیۀ قبلها: وَ ما أَرْسَلْنا فِی قَرْیَۀٍ مِنْ نَبِیٍّ إِلَّا أَخَذْنا أَهْلَها بِالْبَأْساءِ وَ
و الآیۀ بعدها: وَ لَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُري آمَنُوا وَ اتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَیْهِمْ بَرَکاتٍ مِنَ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ وَ لکِنْ کَ ذَّبُوا .«6» الضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ یَضَّرَّعُونَ
. 1) آل عمران: 28 ) .«7» فَأَخَذْناهُمْ بِما کانُوا یَکْسِبُونَ
. 2) الاعراف: 89 )
. 3) المجادلۀ: 21 )
.24 - 4) الکهف: 23 )
. 5) الاعراف: 95 )
. 6) الاعراف: 94 )
. 7) الاعراف: 96 )
ص: 235
-69 تِلْکَ الْقُري نَقُصُّ عَلَیْکَ مِنْ أَنْبائِها، وَ لَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَیِّناتِ، فَما کانُوا لِیُؤْمِنُوا بِما کَ ذَّبُوا مِنْ قَبْلُ، کَذلِکَ یَطْبَعُ اللَّهُ عَلی
قالوا: هذه الآیۀ دلیل علی أنّه تعالی هو المانع من الایمان. .«1» قُلُوبِ الْکافِرِینَ
و لکن الآیۀ قبلها تفند هذه المزعومۀ: أَ وَ لَمْ یَهْدِ لِلَّذِینَ یَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِها أَنْ لَوْ نَشاءُ أَصَ بْناهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَ نَطْبَعُ عَلی قُلُوبِهِمْ
.«2» فَهُمْ لا یَسْمَعُونَ
حیث کان هذا الطبع أثرا طبیعیا لتلکم الذنوب التی اقترفوها، و قد أحاطت بهم خطیئتهم حجازا مانعا عن إدراك الحق فهم لا
یسمعون.
و قد تقدم أن الطبع: قسوة فی القلب تحصل علی أثر الاصرار علی الذنب، و من ثمّ حرمان عن ألطافه تعالی الخاصۀ، و خیبۀ عن
فیوضه القدسیۀ، و خذلان فی نهایۀ المطاف.
انّه صرف خذلان علی أثر معاندة الحق و الاصرار علی اللجاج. .«3» -70 سَأَصْرِفُ عَنْ آیاتِیَ الَّذِینَ یَتَکَبَّرُونَ فِی الْأَرْضِ بِغَیْرِ الْحَقِّ
بدلیل ما بعدها:
وَ إِنْ یَرَوْا کُلَّ آیَۀٍ لا یُؤْمِنُوا بِها، وَ إِنْ یَرَوْا سَبِیلَ الرُّشْدِ لا یَتَّخِذُوهُ سَبِیلًا، وَ إِنْ یَرَوْا سَبِیلَ الغَیِّ یَتَّخِذُوهُ سَبِیلًا، ذلِکَ بِأَنَّهُمْ کَذَّبُوا بِآیاتِنا وَ
کانُوا عَنْها غافِلِینَ.
الفتنۀ- هنا- امتحان و اختبار. و بذلک یتضح مصیر المهتدي عن .«4» -71 إِنْ هِیَ إِلَّا فِتْنَتُکَ تُضِ لُّ بِها مَنْ تَشاءُ وَ تَهْدِي مَنْ تَشاءُ
الضالّ، فالذین اهتدوا زادهم اللّه من فضله. و الذین غووا خذلهم و ترکهم فی ظلمات لا یبصرون. هذا هو معنی الآیۀ الکریمۀ الظاهر،
فلا موضع فیها لتشبث القوم.
.«5» -72 مَنْ یَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَ مَنْ یُضْلِلْ فَأُولئِکَ هُمُ الْخاسِرُونَ
هذه هی الهدایۀ بمعنی التوفیق و التسدید. کما أن الاضلال هنا الخیبۀ و الخذلان، بعد اتمام الحجۀ علیهم بالتبلیغ و الدعاء. و قد تقدم
صفحۀ 136 من 268
ذلک غیر مرة.
أن اللام هنا للعاقبۀ، مثلها فی قوله تعالی: فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِیَکُونَ لَهُمْ «7» تقدم «6» -73 وَ لَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ کَثِیراً مِنَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ
. 1) الاعراف: 101 ) .«8» عَدُ  وا وَ حَزَناً
. 2) الاعراف: 100 )
. 3) الاعراف: 146 )
. 4) الاعراف: 155 )
. 5) الاعراف: 178 )
. 6) الاعراف: 179 )
. 7) فی صفحۀ: 194 )
. 8) القصص: 8 )
ص: 236
.«1» -74 وَ الَّذِینَ کَذَّبُوا بِآیاتِنا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَیْثُ لا یَعْلَمُونَ وَ أُمْلِی لَهُمْ إِنَّ کَیْدِي مَتِینٌ
سنبحث عن معنی الاستدراج الذي هو خذلان للکافر المعاند، علی أثر لجاجه مع الحق و صموده علی الغی و الضلال.
لانّ الذي خذله اللّه فلم یوفقه فی سبیل الهدي- علی أثر جموحه .«2» -75 مَنْ یُضْ لِلِ اللَّهُ فَلا هادِيَ لَهُ وَ یَذَرُهُمْ فِی طُغْیانِهِمْ یَعْمَهُونَ
.«3» عن قبول الحق الصراح- لا یجد من یهدیه إلی السبیل أبدا. فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ
فَإِنَّ اللَّهَ لا یَهْدِي مَنْ یُضِلُّ (أي من استحق الضلال بسوء اختیاره) وَ ما لَهُمْ مِنْ .«4» وَ إِنْ یَخْ ذُلْکُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي یَنْصُ رُکُمْ مِنْ بَعْدِهِ
.«5» ناصِرِینَ
احتضنت الأشاعرة هذه الآیۀ دلیلا علی عدم قدرة العباد علی خیر أو شر، لا .«6» -76 قُلْ لا أَمْلِکُ لِنَفْسِی نَفْعاً وَ لا ضَ  را إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ
یستطیعون شیئا، و هم المغلوبون علی أمرهم تحت إرادة اللّه الغالبۀ! و الجواب: أنّ النفع و الضر فی الآیۀ عبارة عن الصحۀ و السقم و
السلامۀ عن الحدثان و الآفات، فلا یملک أي انسان مصیره الحتم فی ثنایا رکب الحیاة، إمّا إلی سلامۀ أو ابتلاء. وَ ما أَدْرِي ما یُفْعَلُ
.«7» بِی وَ لا بِکُمْ
و من ثمّ سألوا النبیّ (صلّی اللّه علیه و آله) عن الساعۀ أیان مرساها؟ .«8» کانت العرب تزعم من لوازم النبوة هو العلم الذاتی بالغیب
فجاءهم الردع عن هکذا اقتراح جاهلی: قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّی لا یُجَلِّیها لِوَقْتِها إِلَّا هُوَ، ثَقُلَتْ فِی السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ، لا تَأْتِیکُمْ إِلَّا
.183 - بَغْتَۀً یَسْئَلُونَکَ کَأَنَّکَ حَفِیٌّ عَنْها (أي خبیر بها) ( 1) الاعراف: 182
. 2) الاعراف: 186 )
. 3) یونس: 32 )
. 4) آل عمران: 160 )
. 5) النحل: 37 )
. 6) الاعراف: 188 )
. 7) الاحقاف: 9 )
عالم الغیب فلا یظهر علی » 8) الانبیاء العظام و الائمۀ الکرام (صلوات الله علیهم أجمعین) انما یعلمون الغیب بالافاضۀ من واهب الغیب )
.« غیبه أحدا الا من ارتضی من رسول- الجن: 26
ص: 237
صفحۀ 137 من 268
قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللَّهِ وَ لکِنَّ أَکْثَرَ النَّاسِ لا یَعْلَمُونَ (هذا الاختصاص). قُلْ لا أَمْلِکُ لِنَفْسِی نَفْعاً (فی آجلها) وَ لا ضَ  را، إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ
.«1» (من صلاح کل انسان) وَ لَوْ کُنْتُ أَعْلَمُ الْغَیْبَ لَاسْتَکْثَرْتُ مِنَ الْخَیْرِ وَ ما مَسَّنِیَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِیرٌ وَ بَشِیرٌ لِقَوْمٍ یُؤْمِنُونَ
أي النصر للمبدإ الحق و غلبۀ الحجۀ الظاهرة، لا یکون إلّا بتوفیقه تعالی و تسدیده الخطی نحو «2» -77 وَ مَا النَّصْ رُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ
الصواب.
و الآیۀ نزلت بشأن وقعۀ بدر، اولی غزوة فی الاسلام، حیث خشی المسلمون ضعف جانبهم تجاه قوة المشرکین، فاستجاب اللّه لهم
بالامداد بألف من الملائکۀ مردفین. فکانت الغلبۀ مع المسلمین. و ربما ظن بعضهم أنّ الملائکۀ باشرت القتال، فی حین أنّها نزلت
لتبعث فی نفوس المسلمین القوة و الاطمئنان لیقع النصر و الظفر علی یدهم هم. أمّا الملائکۀ فلم تکن سوي منبعث الثبات و الاطمئنان
.«3» النفسی للمسلمین. إِذْ یُوحِی رَبُّکَ إِلَی الْمَلائِکَۀِ أَنِّی مَعَکُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِینَ آمَنُوا، سَأُلْقِی فِی قُلُوبِ الَّذِینَ کَفَرُوا الرُّعْبَ
إذن لم یکن الغرض من نزول الملائکۀ سوي بعث روح الایمان فی نفوس المسلمین و خلق البشري فی قلوبهم وَ ما جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا
بُشْري وَ لِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُکُمْ أمّا واقع النصر فکان من عند اللّه بتقویۀ ایمانهم و القاء الروع فی نفوس المشرکین وَ مَا النَّصْ رُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ
.«4» اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِیزٌ حَکِیمٌ
و الخلاصۀ: أنّ الذین باشروا القتال هم المسلمون، و کاد الاحساس بالضعف یکسر من جانبهم، لو لا أنّ اللّه أیّدهم بالوعد بالنصر، و
.188 - تقویۀ جانبهم بما ازدادوا ثباتا و ایمانا و ثقۀ باللّه، الأمر الذي ضمن لهم النصر و الظفر، تجاه ( 1) الاعراف: 187
. 2) الانفال: 10 )
. 3) الانفال: 12 )
. 4) الانفال: 10 )
ص: 238
.«1» المشرکین ذوي النفوس المضطربۀ غیر المعتمدة إلی رکن وثیق. وَ لِیَرْبِطَ عَلی قُلُوبِکُمْ وَ یُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ
و علیه فحقیقۀ النصر من اللّه هو توفیقه و تسدیده بخلق الثقۀ و الاطمئنان و بعث قوة الایمان، لیقع النصر علی ید المسلمین أنفسهم.
.«2» -78 و هکذا جاء قوله: فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَ لکِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ. وَ ما رَمَیْتَ إِذْ رَمَیْتَ وَ لکِنَّ اللَّهَ رَمی
حیث المسلمون بأنفسهم- لو لا تأییده تعالی و توفیقه بخلق الثقۀ فی النفوس و تقویۀ الایمان- لم یستطیعوا المقاومۀ تجاه شوکۀ
المشرکین. فانّما وقع النصر و الظفر للمسلمین بحوله تعالی و قوته، أولا بشري بنزول النصر. ثانیا بالربط علی القلوب و تثبیت الاقدام.
ثالثا بالقاء الرعب فی قلوب الکفار.
و جاز اضافۀ فعل العبد إلی اللّه، إذا وقعت بتیسیره تعالی و ألطافه و رعایته الخاصۀ.
شاهت الوجوه، » : و قد روي أنّ النبیّ (صلّی اللّه علیه و آله و سلّم) ناول کفا من الحصی ذلک الیوم فحثی بها وجوه القوم و قال
.« شاهت الوجوه
فما بقی أحد من المشرکین هناك إلّا امتلأت عینه من تلک الحصباء، الأمر الذي أوهی قلوبهم و وهن من عزائمهم فکان النصر حقا
للمسلمین بإذن اللّه العزیز الحکیم.
فلم یکن ذات الرمی الذي رماه رسول اللّه (صلّی اللّه علیه و آله) مما یوجب هزیمۀ المشرکین، لو لا تأییده تعالی بألطافه الخاصۀ. فقد
صحّ اسناد الرمی المؤثر إلی اللّه عزّ شأنه، لانه تعالی هو الذي جعل فیه ذلک الأثر الباهر العظیم.
تعلقت الأشاعرة بهذه الآیۀ دلیلا علی أنّه تعالی هو منع .«3» -79 وَ لَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِیهِمْ خَیْراً لَأَسْمَعَهُمْ، وَ لَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَ هُمْ مُعْرِضُونَ
. الکفار ( 1) الانفال: 11
. 2) الانفال: 17 )
صفحۀ 138 من 268
. 3) الانفال: 23 )
ص: 239
من الایمان! و الجواب: انّ الآیۀ تبدأ بقوله تعالی: إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُکْمُ الَّذِینَ لا یَعْقِلُونَ. وَ لَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِیهِمْ خَیْراً
.«1» ... لَأَسْمَعَهُمْ
هذا تشبیه لحالۀ المشرکین التعنتیۀ المتمردة، المتوغلۀ فی الغی و الضلال، فلا ینفعهم نصح الناصحین. إذ خطیئاتهم قد أحاطت بهم،
فلا تدع مجالا لتسرب وعظ أو ارشاد فی قلوبهم القاسیۀ.
ان حالتهم السلبیۀ أسوأ من حالۀ الدواب. انّهم جعلوا من أنفسهم الصم البکم فهم لا یعقلون شیئا أبدا. انّهم منذ بدء أمرهم أخذوا فی
اتجاه معاکس لمنهج الهدي و الصلاح، فخسروا عنایته تعالی و ألطافه الخاصۀ بالمؤمنین المسترشدین.
و خلاصۀ معنی الآیۀ: إن هؤلاء الکفار الملحدین قد أفسدوا استعداداتهم الفطریۀ للتلقی و الاستجابۀ فلم یفتح اللّه علیهم ما أغلقوا هم
من قلوبهم، و ما أفسدوهم من فطرتهم. و لو جعلهم اللّه بحیث یسمعون دعوة الحق و یعون حقیقۀ ما یدعون إلیه، ما فتحوا قلوبهم له و
لا استجابوا لما فهموا من حقیقته.
و لو علم اللّه فیهم خیرا (أي منفذا للحق الذي یدعون إلیه) لأسمعهم (أي للطف بهم بعنایته الخاصۀ). و لو أسمعهم (أي و لو جعلهم
بحیث یفهمون حقیقۀ الدعوة، و الحالۀ هذه، لا رغبۀ لهم فی الهدي، و تشمئز نفوسهم من ذکر اللّه، بسبب إفساد استعداداتهم الفطریۀ)
لتولوا و هم معرضون.
.«2» -80 یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا اسْتَجِیبُوا لِلَّهِ وَ لِلرَّسُولِ إِذا دَعاکُمْ لِما یُحْیِیکُمْ، وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ یَحُولُ بَیْنَ الْمَرْءِ وَ قَلْبِهِ، وَ أَنَّهُ إِلَیْهِ تُحْشَرُونَ
.23 - هذه الآیۀ الکریمۀ وقعت موضع نقاش حادّ بین أهل الجبر (الأشاعرة) ( 1) الأنفال: 22
. 2) الانفال: 24 )
ص: 240
و فریق الاعتزال. و هی من جلائل الآیات القرآنیۀ و أدقها تعبیرا عن موقف الدعوة الاسلامیۀ الضافیۀ، تجاه الحیاة البشریۀ الملیئۀ
بالأکدار.
هذه الآیۀ تجعل من شریعۀ اللّه نبضۀ الحیاة العلیا السعیدة، التی هی منشودة الانسانیۀ الکریمۀ، فی صمیم واقعها الأصیل. و انّها لهی
الحیاة الحقیقیۀ إذا ما تقبلتها النفوس و استسلمت لقیادتها الحکیمۀ. أمّا معاکسۀ هذا الاتجاه فیهددها خطر الانعطاف إلی تیه الجهل و
الضلال، و سقوط فاضح عن مقام الانسانیۀ الرفیعۀ.
غیر أن الأشاعرة بالذات أعشی أعینهم بریق هذا المعنی اللامع فحاولوا تحریفه إلی ما یلتئم و مذهبهم فی الجبر. الأمر الذي جعل من
الآیۀ غریبۀ المفاد عما اکتنفها من صدر و ذیل.
قال الفخر الرازي: یختلف تفسیر الآیۀ بحسب اختلاف الناس فی الجبر و القدر. أمّا القائلون بالجبر، فقال الواحدي- حکایۀ عن ابن
عباس و الضحاك- یحول بین المرء الکافر و طاعته، و یحول بین المرء المطیع و معصیته. فالسعید من أسعده اللّه، و الشقی من أضله.
و القلوب بید اللّه یقلبها کیف یشاء. فإذا أراد الکافر ان یؤمن، و اللّه تعالی لا یرید ایمانه، یحول بینه و بین قلبه. و إذا أراد المؤمن أن
یکفر، و اللّه لا یرید کفره، حال بینه و بین قلبه.
قال الفخر- تعقیبا علی ذلک-: و قد دللنا بالبراهین العقلیۀ علی صحۀ أنّ الأمر کذلک. و ذلک لأن الأحوال القلبیۀ إمّا العقائد و إمّا
الإرادات و الدواعی- ثمّ أخذ فی الاستدلال علی أنها جمیعا خارجۀ عن اختیار العبد- و قال أخیرا:
فتعین ان یکون فاعل الاعتقادات و الإرادات و الدواعی هو اللّه تعالی. قال:
و بهذه السفسطۀ «1» فنص القرآن دلّ علی أنّ أحوال القلوب من اللّه، و الدلائل العقلیۀ دلّت علی ذلک، فثبت أنّ الحق ما ذکرناه
صفحۀ 139 من 268
.148 - المفضوحۀ حاول اثبات ( 1) التفسیر الکبیر: ج 15 ص 147
ص: 241
مذهب الجبر الأشعري.
لا» : فی فصل قادم. و عمدة ما استند إلیه الفخر استدلالا فی هذا المجال، هو نظریۀ « السعادة و الشقاء » و نحن سنبحث عن مسألۀ
أن الارادة و ان کانت هی الملاك لاختیاریۀ الافعال الصادرة عن اختیار العباد، غیر أن الارادة :«1» حسبما تقدم منهم « اختیاریۀ الارادة
بذاتها لیست باختیاریۀ، و الا لزم سبق إرادة اخري فتتسلسل! و قد أجبنا عن ذلک بأن اختیاریۀ الارادة کملوحۀ الملح ذاتیۀ، و أمّا غیرها
فلا بدّ أن تنتهی إلیها، فراجع.
هذا جل محاولۀ الأشاعرة، و فی مقدمتهم متفلسفوهم و لا سیما امام المشککین فی التحریف بهذا الآیۀ الکریمۀ. أمّا غیرهم ممن تخلّوا
عن تساویل الأشعري بالذات، أو کانوا فی اتجاه معاکس معهم فی الرأي و الاختیار، فلهم فی تفسیر الآیۀ أنظار دقیقۀ، و ربما آراء
ثمینۀ، نذکر منها الأهم:- 1- ان من سنۀ اللّه الحیلولۀ بین المرء و قلبه، الذي هو مرکز الوجدان و الإدراك، ذي السلطان علی إرادته و
عمله. و هذا أخوف ما یخاف منه المتقی علی نفسه، إذا غفل عنها و فرّط فی جنب ربه. کما أنّه أرجی ما یرجوه المسرف علیها إذا لم
ییأس من روح اللّه فیها.
فهذه الجملۀ اعجب جمل القرآن. و لعلها أبلغها تعبیرا، و أجمعها لحقائق علم النفس البشریۀ، و علم الصفات الربانیۀ، و علم التربیۀ
الدینیۀ، التی تعرف دقائقها بما تثمره من الخوف و الرجاء.
فبینا زید یسیر علی سبیل الهدي، و یتقی طرق الضلالۀ الموصلۀ إلی مهاوي الردي، إذا بقلبه قد تقلب بعصوف هوي جدید، یمیل به
.183 - عن الصراط المستقیم، من شبهۀ تزعزع الاعتقاد، أو شهوة یغلب بها الغیّ علی الرشاد، فیطیع هواه ( 1) فی صفحۀ: 182
ص: 242
علی أنه فیه مختار، فلا جبر و لا اضطرار. .«1» و یتخذه إلهه من دون اللّه أَ رَأَیْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ أَ فَأَنْتَ تَکُونُ عَلَیْهِ وَکِیلًا
و یقابل هذا من الحیلولۀ ما حکی بعضهم عن نفسه، انّه کان منهمکا فی شهواته و لهوه، تارکا لهداه و طاعۀ ربه. فنزل یوما فی زورق
مع خلان له فی نهر دجلۀ للتنزه، و معهم النبیذ و المعازف فبیناهم یعزفون و یشربون، إذ التقوا بزورق آخر فیه تال للقرآن یرتل سورة
إِذَا الشَّمْسُ کُوِّرَتْ فوقعت تلاوته من نفسه موقع التأثیر و العظۀ: فاستمع له و أنصت، حتی إذا بلغ قوله: وَ إِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ امتلأ قلبه
خشیۀ من اللّه و تدبرا، لاطلاعه علی صحیفۀ عمله یوم یلقاه، فأخذ العود من العازف فکسره و ألقاه فی دجلۀ، و ثنی بنبذ قنانی النبیذ و
کئوسه فیها، و صار یردد الآیۀ. و عاد إلی منزله تائبا من کلّ معصیۀ، مجتهدا فی طاعۀ ربه.
فتذکیر اللّه تعالی ایانا بهذا الشأن من شئون الانسان، و هذه السنۀ القلبیۀ من سنن اللّه تعالی فی الارادات و الأعمال، و أمره ایانا بأن
نعلمها علم ایقان و اذعان، یفیدنا فائدتین لا یکمل بدونهما الایمان، احداهما: أن لا یأمن الطائع من مکر اللّه فیغتر بطاعته و یعجب
بنفسه. و الثانیۀ: ان لا ییأس العاصی من روح اللّه، فیسترسل فی اتباع هواه، حتی تحیط به خطایاه. فمن لم یأمن عقاب اللّه، و لم ییأس
من رحمۀ اللّه، یکون جدیرا بأن یراقب قلبه، و یحاسب نفسه علی خواطره مجتنبا الافراط و التفریط، بین خوف یحجزه عن المعاصی،
.«2» و رجاء یحمله علی الطاعات
و یتلخص هذا المعنی فی أن فی القلب نقطۀ تحولات مفاجأة، قد تشرق علی تائه الطریق بغتۀ، فتعطف به إلی المحجۀ البیضاء بعد
. مرارة و شقاء. کما أنّها قد تنطفی علی سالک الطریق فتنجرف به إلی مزالق ردي و هلاك بعد سعادة ( 1) الفرقان: 43
.635 - 2) الشیخ محمد عبده- فی تفسیر المنار-: ج 9 ص 634 )
ص: 243
و هناء. فلا ینبغی لسالک سبیل- مهما کانت من طاعۀ أو عصیان- أن یغفل من نفسه تلکم الحالات المفاجئۀ فی حیاته، المغیّرة للمسیر
صفحۀ 140 من 268
أحیانا، فلا یغتر مؤمن بایمانه لیأخذه العجب بنفسه فیزلّه عن الصراط بغتۀ. و ان فی قصۀ ذلک التحول النفسی الذي فاجأ بلعم باعورا،
لدرسا و عظۀ. و هکذا لا ییأس العاصی بتوافر خطیئاته مهما کانت عظیمۀ، لیأخذه القنوط من روح اللّه و الشعور بالحرمان الأبدي،
لیسترسل فی طغیانه. بل العبد- سواء أ کان مطیعا أم عاصیا- فإنه دائما بین خوف و رجاء، لا یأس و لا اغترار.
و لعل هذا هو المراد
.« ان قلوب بنی آدم بین اصبعین من أصابع الرحمن یصرفها کیف شاء » : فی الحدیث المأثور
و
« إذا شاء أزاغها و اذا شاء أقامها » : فی لفظ آخر
و
ثمّ یقرأ: رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَیْتَنا وَ « یا مقلب القلوب ثبت قلبی علی دینک » : قد روي أنّ النبیّ (صلّی اللّه علیه و آله) کان یدعو
.«1» هَبْ لَنا مِنْ لَدُنْکَ رَحْمَۀً إِنَّکَ أَنْتَ الْوَهَّابُ
و .«2» و قال یعقوب منبها لبنیه: وَ لا تَیْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا یَیْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْکافِرُونَ
.«3» « انّ لربکم فی أیام دهرکم نفحات، ألا فتعرضوا لها بکثرة الاستعداد » فی الحدیث المستفیض
و الآثار من هذا القبیل کثیرة جدا.
و هذا معنی لطیف و دقیق للغایۀ. غیر ان تفسیر الآیۀ الکریمۀ بذلک ربما لا یلتئم و کونها تهدیدا بموقف المشرکین ممن امتنعوا عن
قبول الدعوة و عن اجابۀ الرسول.
فهو .«4» -2 ان الآیۀ کنایۀ عن سلطانه تعالی فی عالم الوجود، و انه المتصرف فیه کیف یشاء لا رادّ لقضائه. وَ الْأَرْضُ جَمِیعاً قَبْ َ ض تُهُ
9، و - تعالی املک من کل انسان لقلبه، الذي هو منبعث اراداته و قصوده فی کلّ ما یعمل أو ( 1) راجع الدرّ المنثور: ج 2 ص 8
مصابیح الأنوار للسیّد شبّر: ج 1 ص 424 رقم 77 ، و الآیۀ 8 من سورة آل عمران.
. 2) یوسف: 87 )
. 3) راجع: عوالی اللآلی: ج 4 ص 118 )
. 4) الزمر: 67 )
ص: 244
یختار. فلا یغترّ أحد بزعم استقلاله فی متصرفاته یزاولها حسبما یرید. بل دون تحقق الأهداف و البلوغ الی مآرب الحیاة، إرادة ربّ
حسبما تقدم فی مسألۀ .«1» العالمین القاهرة، لا یقع شیء و لا یتحقق أمر إلّا بإذنه تعالی وَ ما هُمْ بِضارِّینَ بِهِ مِنْ أَحَ دٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ
.«2» « الأمر بین الأمرین »
فان کانت العصاة قد رفضوا الاستسلام لشریعۀ السماء رغبۀ فی مباهج هذه الحیاة و زخارفها الخلّابۀ، و کانوا یرون من قبول الحق
خسارة لذائذ سفلی و مصالح وقتیۀ زائلۀ، فان العیش لا یأمن معه الهناء، تجري الریاح بما لا تشتهی السفن. فلا ینبغی لأيّ انسان أن
یأمن صروف الزمان و تقلبات الاحوال، و هی تتري علی هذه الحیاة المتنغصۀ بالأهوال و الاکدار. الأمر الذي جعل من نفوس غیر
.«3» مؤمنۀ و غیر معتمدة إلی رکن وثیق فی توتر نفسی و قلق دائم. الَّذِینَ آمَنُوا وَ تَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِکْرِ اللَّهِ أَلا بِذِکْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ
.«4» « عرفت اللّه بفسخ العزائم و حل العقود، و نقض الهمم » :( و هذا المعنی یمثله قول الامام أمیر المؤمنین (علیه السلام
و رجّ ح کثیر تفسیر الآیۀ بهذا المعنی. قال الزمخشري: و قیل: معناه انّ اللّه قد یملک علی العبد قلبه فیفسخ عزائمه، و یغیر نیاته و
مقاصده، و یبدل بخوفه أمنا و بأمنه خوفا. و بالذکر نسیانا و بالنسیان ذکرا، و ما أشبه مما هو جائز علی اللّه.
لکن التعبیر بالقلب عن مشتهیات النفس تأباه فصاحۀ القرآن. القلب عضو شریف فی الهیکل الانسانی، و قد جاء تعبیرا عن منبعث
صفحۀ 141 من 268
و من ثمّ فان المعرض عن ذکر اللّه .«5» الإدراکات الانسانیۀ النبیلۀ إِنَّ فِی ذلِکَ لَذِکْري لِمَنْ کانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَی السَّمْعَ وَ هُوَ شَ هِیدٌ
. قد ختم علی قلبه، فلا یکاد یفقه شیئا. ( 1) البقرة: 102
2) صفحۀ: 174 فما بعد. )
. 3) الرعد: 28 )
. 4) شرح النهج لابن أبی الحدید: ج 19 ص 84 )
. 5) ق: 37 )
ص: 245
نعم لو کان تعبیر الآیۀ هکذا ان الله یحول بین المرء و نفسه لاستقام هذا المعنی و صحّ تفسیرها بذلک من غیر ریب.
-3 ان اللّه یحول بین المرء و الانتفاع بقلبه بسبب الموت. یعنی بادروا إلی التوبۀ و الانابۀ قبل فوات الفرصۀ، فان الأجل یحول دون
الأمل. و الحیاة فرصۀ ثمینۀ یتمکن العبد فیها من اخلاص قلبه و معالجۀ أدوائه و علله، و ردّه سلیمان کما یریده اللّه. فینبغی اغتنامها و
اخلاص القلوب لطاعۀ اللّه و رسوله.
-4 کنایۀ عن شدة قربه تعالی من واقع الانسان، فلا تخفی علیه نزعات ما فی القلوب. یعلم سرکم و جهرکم و هو علیم بذات الصدور.
.«1» فلا یخفی علیه اضمار کفر أو نفاق و ان کان فی الظاهر قد آمن بلسانه. وَ نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَیْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِیدِ
-5 و الذي نرجحه و نرتئیه هو معنی خامس یلتئم مع ظاهر الآیۀ تماما: انّها کنایۀ عن اماتۀ القلب فلا یعی شیئا بعد فقدان الحیاة.
«2» لا تعجبنّ الجهول حلّته فذاك میت و ثوبه الکفن
الاسلام دعوة إلی الحیاة العلیا السعیدة، و فی رفضها رفض للحیاة و اماتۀ للقلب الذي هو منبعث الإدراکات الانسانیۀ النبیلۀ. فإذا مات
قلب انسان فقد افتقد نابض الحیویۀ الفعالۀ، و أصبح جمادا لا حراك له فی عالم الوجود الانسانی و لا فعالیۀ، و انّما هو دابۀ صماء،
.«3» بدلا من أن یمشی علی أربع، یمشی علی رجلین فی صورة انسان، قال تعالی: کَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ
. و قال: ( 1) ق: 16 .«4» بعد قوله: فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْکِرَةِ مُعْرِضِینَ
2) الحلۀ فاعل للفعل المنهی عنه و الجهول مفعول به. و معنی البیت: لا یغتر الجاهل بجمال ثیابه فانها لا تعدوا کفنا علی جسد میت لا )
روح فیه و لا حرکۀ و لا ادراك.
.51 - 3) المدثر: 50 )
. 4) المدثر: 49 )
ص: 246
تطابقا مع آیۀ الانفال تماما! قال تعالی: وَ لا تَکُونُوا کَالَّذِینَ نَسُوا اللَّهَ «1» وَ نُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَ أَبْصارَهُمْ کَما لَمْ یُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ
فإنّ نسیان النفس کنایۀ عن الابتعاد عن شرف الانسانیۀ، هبوطا إلی مهاوي البهیمیّۀ و الابتذال. وَ لَوْ شِئْنا لَرَفَعْناهُ بِها «2» فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ
.«3» وَ لکِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَی الْأَرْضِ وَ اتَّبَعَ هَواهُ
و الذي أرشدنا إلی هذا الاختیار هی دلائل و قرائن من نفس الآیۀ:- أولا: التعبیر بالحیاة عن الدعوة، فیقابلها الموت فی رفضها. و ما
هو إلّا موت القلب بسلب إدراکاته الانسانیۀ العلیا التی فیها الحیاة الحقیقیۀ الکریمۀ. قال تعالی: إِنَّکَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتی وَ لا تُسْمِعُ الصُّمَّ
.«4» الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِینَ
إِنَّما یَسْتَجِیبُ الَّذِینَ یَسْمَعُونَ، وَ الْمَوْتی یَبْعَثُهُمُ اللَّهُ ثُمَّ إِلَیْهِ .«5» فَإِنَّکَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتی وَ لا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِینَ
هذه الأخیرة تتفق فی نظمها مع آیۀ الانفال شیئا ما. .«6» یُرْجَعُونَ
ثانیا: القلب عضو شریف فی الهیکل الانسانی البدیع. و من ثمّ یعبر به عن واقع الانسان الکریم تارة، و عن حیویته النابضۀ بالفعالیۀ و
صفحۀ 142 من 268
الوجود اخري. و عن منشأ إدراکاته النبیلۀ الشاعرة بالمسئولیۀ ثالثۀ، و هکذا.
و من ثمّ فان المخالف لفطرته قد جعل من قلبه فی غشاء أو فی غلاف. أو مریضا و منحرفا عن وضعه الاصیل أو مختوما بطابع یحجز
دون بلوغ الهدي إلی مساربه، و هکذا یجعل القرآن القلب هو المرکز الأول لقبول الهدایۀ و التکلیف، و یجعل من رفضها کأنّه لا قلب
وَ .«8» أَ فَلا یَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلی قُلُوبٍ أَقْفالُها .«7» له، قال تعالی: إِنَّ فِی ذلِکَ لَذِکْري لِمَنْ کانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَی السَّمْعَ وَ هُوَ شَهِیدٌ
. 1) الانعام: 110 ) .«9» لکِنْ یُؤاخِذُکُمْ بِما کَسَبَتْ قُلُوبُکُمْ
. 2) الحشر: 19 )
. 3) الاعراف: 176 )
. 4) النمل: 80 )
. 5) الروم: 52 )
. 6) الانعام: 36 )
. 7) ق: 37 )
. 8) محمد: 24 )
. 9) البقرة: 225 )
ص: 247
وَ طُبِعَ عَلی قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا .«2» فِی قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً .«1» خَتَمَ اللَّهُ عَلی قُلُوبِهِمْ وَ عَلی سَمْعِهِمْ وَ عَلی أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ
إلی غیرها من آیات جاءت بنفس التعابیر و هی کثیرة جدا. و لم تر القلب وقع فیها تعبیرا عن مشتهیات نفسیۀ إطلاقا. .«3» یَفْقَهُونَ
ثالثا: انّها تهدید لاذع بأولئک الذین یرفضون قبول الدعوة، فیعاکسون حظهم فی سعادة الحیاة لتتحول إلی موت ذریع لا حیویۀ فیه و
لا احساس و لا شعور. و من ثمّ فانها سقوط من ذروة انسانیۀ شامخۀ إلی حضیض حیوانیۀ ضاریۀ تکالبا علی جیفۀ الحیاة الدنیا الرذیلۀ،
مما یتناسب تهدیدا مع رفض الدعوة فی صدر الآیۀ. و انسجاما مع الرجوع إلی حکمه تعالی یوم لا حکم إلّا حکمه فی الذیل. و
بذلک تلتئم جملات الآیۀ بکاملتها فی تشابک و وئام وثیق.
الأمر الذي تستدعیه فصاحۀ کلامه تعالی البدیع المعجز.
و الخلاصۀ: انّ الآیۀ صدرا و ذیلا و مضمونا تستدعی تفسیر القلب هنا بمنشإ الإدراکات النبیلۀ لتکون الحیلولۀ بین المرء و قلبه تعبیرا
آخر عن عمهه فی تیه الضلال.
وَ جَعَلْنا .«5» وَ طُبِعَ عَلی قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا یَفْقَهُونَ .«4» و هکذا ختم علی قلبه فلا یکاد یفقه فَما لِهؤُلاءِ الْقَوْمِ لا یَکادُونَ یَفْقَهُونَ حَ دِیثاً
وَ نَطْبَعُ عَلی .«7» خَتَمَ اللَّهُ عَلی قُلُوبِهِمْ وَ عَلی سَمْعِهِمْ وَ عَلی أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ .«6» عَلی قُلُوبِهِمْ أَکِنَّۀً أَنْ یَفْقَهُوهُ وَ فِی آذانِهِمْ وَقْراً
إلی غیرهن من آیات کلها .«9» رَأَیْتَ الَّذِینَ فِی قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ یَنْظُرُونَ إِلَیْکَ نَظَرَ الْمَغْشِیِّ عَلَیْهِ مِنَ الْمَوْتِ .«8» قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا یَسْمَعُونَ
تعابیر عن معنی واحد: من یرد اللّه ان یضله یسلب عنه لبّه فلا یکاد یفقه قولا، و لا کان یدرك صلاحا عن فساد، و بذلک خرج عن
. 1) البقرة: 7 )
. 2) البقرة: 10 )
. 3) التوبۀ: 87 )
. 4) النساء: 78 )
. 5) التوبۀ: 87 )
. 6) الانعام: 25 . و الاسراء: 46 )
صفحۀ 143 من 268
. 7) البقرة: 7 )
. 8) الاعراف: 100 )
. 9) محمّد: 20 )
ص: 248
حریم الانسانیۀ الکریمۀ، لیدخل فی إطار البهائم البهم البکم الذین لا یعقلون.
فی » ،« فی غطاء » ،« جعل قلبه فی غلاف » ،« طبع علی قلبه » ،« ختم علی قلبه » ،« حال بینه و بین قلبه » -: و حصیلۀ البحث هی المقارنۀ التالیۀ
إلی أمثالها من تعابیر کلّها تنمّ عن معنی واحد. « صرف اللّه قلوبهم » ،« انحرف قلبه » ،« زاغ قلبه » ،« مرض قلبه » ،« غشاء
فقد فسر .«1» -6 و لسیدنا الطباطبائی- دام ظله- هنا محاولۀ اخري فی تعمیم مفاد الآیۀ الکریمۀ لتشمل غالبیۀ المعانی المتقدمۀ
الحیلولۀ بسیطرته تعالی علی قلب کلّ انسان، کما هو مسیطر علی سائر أعضائه و جوارحه، بل و علی کلّ موجود فی هذا العالم
الفسیح. فهو تعالی یتصرف فی ملکه کیف یشاء، و یدع للانسان تصرفاته حسبما یشاء تعالی. فهو المتوسط الحائل بین الانسان و بین
کلّ جزء من أجزاء وجوده و کلّ لازم من لوازم شخصیته. بینه و بین قلبه. بینه و بین سمعه. بینه و بین بصره. بینه و بین بدنه. بینه و بین
نفسه. یتصرف فیها بالایجاد، و یتصرف فیها بتملیک الانسان ما شاء منها کیف شاء، فقد یعطیه ما یشاء و قد یحرمه ما یشاء. و هکذا
یفعل تعالی فی سائر القوي المودعۀ فی هذا الکون.
فاللّه تعالی أقرب إلی الانسان من کلّ شیء، قلبه و سائر ما یحوي علیه من أعضاء و جوارح، بل و ما یرتبط به نوع ارتباط، لانّه تعالی
هو الحائل المتوسط بینه و بین سائر الاشیاء اطلاقا، فهو أقرب إلیه منها جمیعا. و إلی هذا المعنی- أیضا- أشار قوله تعالی: وَ نَحْنُ
1) و هکذا حاول أبو جعفر الطبري تعمیم مفاد الآیۀ. و فسر الحیلولۀ بانه تعالی أملک لقلوب عباده ) .«2» أَقْرَبُ إِلَیْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِیدِ
. منهم ... الخ فراجع: جامع البیان: ج 9 ص 143 س 23 ، و سننقل کلامه فی نهایۀ الفصل برقم 7
. 2) ق: 16 )
ص: 249
فهو تعالی- لکونه مالکا لکلّ شیء، و من جملتها «1» قال: و إلی هذه الحقیقۀ یشیر قوله: وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ یَحُولُ بَیْنَ الْمَرْءِ وَ قَلْبِهِ
الانسان، ملکا حقیقیا، لا مالک حقیقۀ سواه- کان أقرب إلیه حتی من نفسه و من قوي نفسه التی یملکها الانسان، لأنه تعالی هو الذي
حیث « و أنه إلیه تحشرون » : ملکه ایاها، فهو الحائل المتوسط بینه و بینها، إذا شاء ملکه ایاها و إذا شاء منعه منها. و لذلک عقبها بقوله
الملک الحق للّه وحده لا شریک له انما یتجلی ذلک الیوم، و عنده یبطل کلّ ملک ظاهر و تنقشع کلّ سلطنۀ صوریۀ، لِمَنِ الْمُلْکُ
.«3» یَوْمَ لا تَمْلِکُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَیْئاً، وَ الْأَمْرُ یَوْمَئِذٍ لِلَّهِ «2» الْیَوْمَ؟ لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ
قال: فکأنّه تعالی یقول: و اعلموا أنّ اللّه هو المالک حقیقۀ لقلوبکم، و انّه اقرب الیکم من کلّ شیء، و ستحشرون إلیه فتبدوا لکم
حقیقۀ ملکه و سلطانه الشامل فلا یغنی عنکم منه شیء. و بذلک لا یدع مجالا لأي اعتذار عن رفض الدعوة، و عدم الاستجابۀ للّه و
لرسوله إذا دعاهم لما یحییهم. لانه تعالی أقرب إلیه من قلبه المعترف فی صمیمه باللّه وحده لا شریک له. فان کان یشک فی شیء
فانّه فی واقع فطرته لا یشک فی اللّه الواحد الذي هو ربّ کلّ شیء. و لن یضل فی معرفۀ هذه الحقیقۀ و تمییز کلمۀ الحق.
فإذا ما دعاه داعی الحق إلی قبول کلمۀ الحق فلا عذر له فی ترك الاستجابۀ، ما دام قلبه معترفا بها، من غیر أن یختلط علیه حقیقۀ الأمر
أو یرتاب فی صمیم الواقع کلّا انها اجابۀ إلی داعیۀ الفطرة، المنطوي علیها الضمیر. و ان کل ما یختلج قلبه من وساوس و شکوك فاللّه
سبحانه هو المتوسط بینها و بین وجدانه الأصیل، الأمر الذي لا یجعل للانسان سبیلا إلی الجهل به تعالی أو الشک فی توحده.
. و علیه فلیس لأي انسان- تجاه دعوة الحق- أن یضمر فی قلبه ما یخالف ( 1) الأنفال: 24
. 2) غافر: 16 )
صفحۀ 144 من 268
. 3) الانفطار: 19 )
ص: 250
وَ .«1» لسانه، لانّه تعالی یعلم ما فی نفسه، و سیحشره إلیه فینبئه بما انطوت علیه جوانحه یَوْمَ هُمْ بارِزُونَ لا یَخْفی عَلَی اللَّهِ مِنْهُمْ شَیْءٌ
.«2» لا یَکْتُمُونَ اللَّهَ حَدِیثاً
قال: و أیضا فإنّ اللّه تعالی لما کان هو المالک لقلب الانسان، الحائل بینه و بین قلبه، کان تعالی هو المتصرف فی قلب الانسان بما
یشاء. فکل ما یجده الانسان من حالات نفسیۀ: ایمان أو شک خوف أو رجاء. طمأنینۀ أو اضطراب مما ینتسب إلی اختیاره أو اضطراره
فإنّ لها انتسابا آخر إلیه تعالی لتصرفه بالتوفیق أو الخذلان و سائر أنواع التربیۀ الالهیۀ، و ان کانت تبعاتها متوجهۀ إلی الانسان ذاته وَ
.«4» لَهُ الْمُلْکُ وَ لَهُ الْحَمْدُ وَ هُوَ عَلی کُلِّ شَیْءٍ قَدِیرٌ .«3» اللَّهُ یَحْکُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُکْمِهِ
فمن الجهل أن یثق الانسان بما یجده فی قلبه من إیمان حق أو نیۀ حسنۀ أو همۀ إلی صلاح و تقوي، بأن یري استقلاله بملک قلبه و
قدرته الخاصۀ علی التصرف کیف یشاء. فان القلب بین اصبعین من أصابع الرحمن یصرفه کیف یشاء. و هو المالک له حقیقۀ و
.«5» المحیط به احاطۀ وَ نُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَ أَبْصارَهُمْ کَما لَمْ یُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ
فأجدر بهذا الانسان أن یؤمن بالحق، و یعزم علی الخیر، و یلتزم الرشد لکن علی مخافۀ منه تعالی أن یصرف قلبه من سعادة إلی شقاء،
أو یحوّله من استقامۀ إلی انحراف، فلا یأمن مکر اللّه، إذ لا یؤمن مکر اللّه إلّا القوم الخاسرون.
قال: و کذلک إذا وجد انسان من نفسه الاشمئزاز و النفرة عن قبول کلمۀ الحق أو رفض الخیر و الاعمال الصالحۀ، فعلیه أن یبادر إلی
استجابۀ اللّه و رسوله فی الدعوة إلی ما یحیی القلوب، لأنّه بهذه الحالۀ آخذ فی موت قلبه، فلا یستسلم لقیادة الیأس و القنوط. انّه
. تعالی قادر علی أن یحول حاله إلی أحسن الحال، فان ( 1) غافر: 16
. 2) النساء: 42 )
. 3) الرعد: 41 )
. 4) التغابن: 1 )
. 5) الانعام: 110 )
ص: 251
.«1» رحمۀ اللّه واسعۀ و الأمر إلیه إِنَّهُ لا یَیْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْکافِرُونَ
.«2» وَ مَنْ یَقْنَطُ مِنْ رَحْمَۀِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ
انها تقطع .« الحیلولۀ » قال: فالآیۀ الکریمۀ- کما تري- من أجمع الآیات القرآنیۀ شمولا لاصول معارف الهیۀ حقیقیۀ، جمعتها مسألۀ
عذر المتکاسل عن معرفۀ اللّه جلّت براهینه، من جذوره. و تقلع غرة النفاق من اصولها. و تنیر علی المسلمین الذین هم فی طریق
الایمان الصادق، دربهم إلی فهم حقیقۀ الأمر بین الأمرین، لا استقلال بالذات و لا الجاء. و من ثمّ فهم واقعون بین خوف و رجاء، فلا
اعجاب و لا غرور و لا یأس و لا قنوط.
قال: و بذلک نستطیع الجمع بین أقوال المفسرین التی هی بحسب ظاهرها متخالفۀ فی تفسیر الآیۀ الکریمۀ. لکنها فی حقیقۀ الأمر
.«3» بالذات « الحیلولۀ » متوافقۀ، إذا ما دققنا النظر فی فهم مسألۀ
-7 اختلفت الروایات المأثورة عن أئمۀ المفسرین السلف فی تخریج الآیۀ الکریمۀ و تأویلها الوجیه، و هی کثیرة نذکر منها نماذج:
یحول » : و هکذا عن الضحاك .« یحول بین الکافر و الایمان و بین المؤمن و الکفر » : أ- روي أبو جعفر الطبري باسناده عن ابن عباس
.« بین الکافر و طاعۀ اللّه، و بین المؤمن و معصیۀ اللّه
هذا النمط من الروایات تؤید مذهب الجبر، علی ما أسلفنا من کلام الفخر الرازي.
صفحۀ 145 من 268
و حیث لا اکراه فی الدین و لا إلجاء فی التکلیف، بصریح الکتاب و ضرورة العقل الرشید، فان أمثال هذه الروایات ساقطۀ، و لا سیما
. و انّها غیر مستندة إلی ( 1) یوسف: 87
. 2) الحجر: 56 )
.48 - 3) السید محمد حسین الطباطبائی- فی تفسیر المیزان-: ج 9 ص 44 )
ص: 252
نص معصوم.
.« یحول بین المرء و قلبه حتی یترکه لا یعقل » : ب- و روي باسناده عن مجاهد
و هذا النمط یقرب من اختیارنا بالذات حسبما أسلفنا فی خامس الوجوه.
و هو أقرب المعانی إلی ظاهر اللفظ، و تناسبا مع دلائل و قرائن موجودة فی نفس الآیۀ.
.« یحول بین الانسان و قلبه فلا یستطیع ایمانا و لا کفرا إلّا باذنه تعالی » : ج- و روي عن السدّي
.« انّه قریب من قلبه فیما یضمر، فلا یخفی علیه سر و لا اظهار و نحن أقرب إلیه من حبل الورید » : د- و روي عن قتادة
و حاول الطبري نفسه تعمیما فی مفاد الآیۀ بما یجمع بین المعانی کلها.
و الأولی بالصواب عندي فی ذلک أن یقال: ان ذلک خبر من اللّه عزّ و جلّ، أنّه أملک لقلوب عباده منهم، و أنّه یحول بینهم و » : قال
بینها إذا شاء، حتی لا یقدر ذو قلب أن یدرك به شیئا، من ایمان أو کفر، أو یعی به شیئا أو یفهم إلّا باذنه و مشیئته. و ذلک أن
الحئول بین شیء و شیء انما هو الحجز بینهما، و إذا حجز- جل ثناؤه- بین عبد و قلبه فی شیء أن یدرکه أو یفهمه، لم یکن للعبد
إلی إدراك ما قد منع اللّه قلبه سبیل. و إذا کان ذلک معناه دخل فی ذلک قول من قال یحول بین المؤمن و الکفر و بین الکافر و
الایمان. و قول من قال: یحول بینه و بین عقله. و قول من قال: یحول بینه و بین قلبه حتی لا یستطیع أن یؤمن و لا یکفر إلّا بإذنه. لأنّ
.« اللّه- عزّ و جلّ- إذا حال بین عبد و قلبه لم یفهم العبد بقلبه الذي قد حیل بینه و بینه ما منع ادراکه به، علی ما بینت
الاخبار عن أنه یحول بین العبد و قلبه، و لم « و اعلموا أن اللّه یحول بین المرء و قلبه » : غیر أنّه ینبغی أن یقال: أن اللّه عمّ بقوله » : قال
یخصص من المعانی
ص: 253
.«1» « التی ذکرنا شیئا دون شیء. و الکلام محتمل لکل هذه المعانی. فالخبر علی العموم حتی یعلم بالتخصیص
یحول بین المؤمن و معصیته التی تقوده » : ه- و روي علی بن إبراهیم القمی فی تفسیره عن الامام أبی جعفر الباقر (علیه السلام) قال
.«2» « إلی النار. و یحول بین الکافر و بین طاعته أن یستکمل به الایمان. و اعلموا أن الاعمال بخواتیمها
هذا فی المؤمن توفیق و تسدید، رحمۀ من اللّه و لطفا به. و فی الکافر خذلان و حرمان عقوبۀ بشأنه.
و یمکن تفسیر الحدیث بوجه آخر یلتئم مع ظاهر الجملۀ الأخیرة، بأن یقال انه تعالی قد یحول بین المؤمن- الذي أعجبته نفسه و غره
ایمانه- و بین المعصیۀ التی لم یکن یرتکبها من ذي قبل فیرتکبها فی مؤخرة حیاته رغم ارادته، لشهوة غلبته أو هوي نفس قادته إلی
الارتکاب. فتقوده تلک المعصیۀ شیئا فشیئا إلی النار.
کما أنّ الکافر غیر الآیس من رحمته تعالی قد یحول تعالی بینه و بین طاعۀ لم یکن یریدها من ذي قبل، فیمتثلها رغم ارادته، لظروف
ساعدته علی هذا التوفیق و بذلک ینجذب شیئا فشیئا إلی ما یستکمل به ایمانه فی نهایۀ الأمر.
و من ثمّ
قال الإمام (علیه السلام): و اعلموا أن الاعمال بخواتیمها.
هو أن یشتهی الشیء » : و- و روي أبو النضر محمد بن مسعود العیاشی فی تفسیره عن الإمام أبی عبد اللّه الصادق (علیه السلام) قال
صفحۀ 146 من 268
بسمعه و بصره و لسانه و یده. و أمّا انه لا یغشی شیئا منها و ان کان یشتهیه فانّه لا یأتیه إلّا و قلبه منکر لا یقبل الذي یأتی، یعرف أن
.143 - 1) تفسیر الطبري (جامع البیان): ج 9 ص 142 ) .«3» « الحق لیس فیه
. 2) تفسیر القمی (ط النجف): ج 1 ص 271 )
. 3) تفسیر العیاشی: ج 2 ص 52 برقم 37 )
ص: 254
لفظ الحدیث مشوش و لم أجد من شرحه، و ان کثر من نقله کالمجلسی فی البحار، و البحرانی فی البرهان، و الطباطبائی فی المیزان،
و الفیض فی الصافی، و غیرهم.
و ظاهره: أن الانسان قد یرغب فی شیء من لذائذ المسموعات، کالاستماع الی نغمات موسیقائیۀ. أو المبصرات کالنظر إلی الأجنبی،
أو الکلامیات کالغیبۀ و الفحش، أو الجارحیات کالضرب و اللطم و البطش المحرم، لکنه مع ذلک و مع شدة رغبته فیه لا یقدم علی
فعله، بل یتقاعس عنه تقاعس المتخاذل الممنوع.
و انما ذلک حؤول لا شعوري بینه و بین مشتهیاته النفسیۀ، کان لطفا منه تعالی بشأنه، بدلیل أن الذي دعاه إلی الاقدام و رغّبه فیه
کانت نفسه الامارة بالسوء.
أمّا قلبه فقد أنکره و ثبط من عزمه، إذ قد عرف أنّ الحق لیس فیه.
هذا ما هدانی اللّه بتوفیقه إلی شرح هذا الحدیث الشریف.
ز- و
هذا الشیء، یشتهیه الرجل بقلبه و سمعه و بصره، لا تتوق نفسه إلی غیر ذلک. فقد » : روي عن الامام أبی جعفر الباقر (علیه السلام) قال
.«1» « حیل بینه و بین قلبه إلّا ذلک الشیء
أي الذي یرغب فی شیء خاص و لا رغبۀ له فی سواه، فهذا هو الذي قد حیل بینه و بین غیر ذلک الشیء، و من ثمّ لا رغبۀ له فی
سواه. و قد فسر القلب فی هذا الحدیث بالإرادات و الرغبات.
ح- و
.«2» « لا یستیقن القلب أن الحق باطل أبدا. و لا یستیقن أن الباطل حق أبدا » : روي عن الامام الصادق (علیه السلام) قال
أي یحول تعالی بین الانسان و ان یخطأ فی إدراك الحق و تمییزه عن الباطل، فلا یکاد یشتبه الحق بالباطل علی أحد أبدا. و هذا من
. لطفه تعالی بعباده، حیث هداهم النجدین و أوضح لهم السبیل إلی حق أو باطل. ( 1) تفسیر الصافی: ج 3 ص 281
. 2) تفسیر الصافی: ج 2، ص 289 )
ص: 255
-( و قد تقدم- فی الجزء الأول من الکتاب (ص 75
أبی اللّه أن یعرّف باطلا حقا. أبی اللّه أن یجعل الحق فی قلب المؤمن باطلا لا شک فیه. و » : حدیث الامام الصادق (علیه السلام) قال
« أبی اللّه أن یجعل الباطل فی قلب الکافر المخالف حقا لا شک فیه. و لو لم یجعل هذا هکذا ما عرف حق من باطل
. و
.«1» لیس من باطل یقوم بازاء الحق الا غلب الحق الباطل. و ذلک قوله تعالی: بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَی الْباطِلِ فَیَدْمَغُهُ فَإِذا هُوَ زاهِقٌ » : قال
ط- و
.«2» « یحول بینه و بین أن یعلم أن الباطل حق » : روي عنه (علیه السلام) قال
و هاتان الروایتان تضیفان وجها سابعا إلی الوجوه الستۀ التی تقدمت.
صفحۀ 147 من 268
ي- و
.« یحول بینه و بین أن یعلم أنّ الباطل حق » : روي ابن بابویه الصدوق عن الامام الصادق (علیه السلام) قال
و
.«3» « ان اللّه تبارك و تعالی ینقل العبد من الشقاء إلی السعادة و لا ینقله من السعادة إلی الشقاء » : قال
و هذا الأخیر إشارة إلی قوله تعالی: اللَّهُ وَلِیُّ الَّذِینَ آمَنُوا یُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَی النُّورِ. أمّا الذي یخرج الکافر من السعادة- التی
مهدها اللّه لجمیع عباده بالبلاغ و الاداء- إلی ظلمات الغیّ و الضلال، فهو الطاغوت وَ الَّذِینَ کَفَرُوا أَوْلِیاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ یُخْرِجُونَهُمْ مِنَ
.«4» النُّورِ إِلَی الظُّلُماتِ
و من ثمّ فسرنا اضلاله تعالی بالخذلان و الحرمان « اللّه نور السماوات و الأرض » . انّه تعالی خیر و جمیل، و لا یرید إلّا خیرا و جمالا
.«5» مما استوجبه العبد علی نفسه مِمَّا خَطِیئاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا ناراً
تلک نماذج عشرة من أحادیث السلف بشأن تفسیر الآیۀ الکریمۀ. و الآیۀ تحتمل الجمیع، لانّ القرآن حمّال ذو وجوه، و لکل آیۀ منه
. سبعۀ بطون من المعانی یعلمها اولوا البصائر فی الدین. و من ثمّ لا اختلاف و لا تعارض بعد أن کان ( 1) الانبیاء: 18
.53 - 2) تفسیر العیاشی- ط العلمیۀ الاسلامیۀ-: ج 2 ص 52 )
. 3) تفسیر البرهان للسید البحرانی (ط قم): ج 2 ص 71 رقم 6 )
. 4) البقرة: 257 )
. 5) نوح: 25 )
ص: 256
اللفظ فی تعبیره العام یحتمل الجمیع. و ان کان بالنظر الی موقعیۀ الآیۀ الخاصۀ لا یحتمل سوي وجه واحد حسبما رجحناه.
قالوا: إنّه یدل علی أنّ کل عمل یرتکبه العبد فانّما هو بقضائه تعالی و تقدیره، لا إرادة .«1» -81 وَ لکِنْ لِیَقْضِ یَ اللَّهُ أَمْراً کانَ مَفْعُولًا
للعبد فی ذلک و لا اختیار.
فی فصل قادم ان شاء اللّه. و ان لیس ذلک سوي علمه تعالی القدیم المتعلق « القضاء و القدر » و الجواب: أنّا سنبحث عن مسألۀ
بالأشیاء قبل وقوعها، من غیر ان یکون ذا تأثیر فی تحققها خارجیا.
ثمّ ان ذیل الآیۀ یتنافی صریحا مع ما أراده هؤلاء من الجبر علی الاعمال، قال تعالی- بعد ذلک-: لِیَهْلِکَ مَنْ هَلَکَ عَنْ بَیِّنَۀٍ وَ یَحْیی
.«2» مَنْ حَیَّ عَنْ بَیِّنَۀٍ وَ إِنَّ اللَّهَ لَسَمِیعٌ عَلِیمٌ
أي لیکون ضلال من ضل، باختیاره بعد وضوح الحق لدیه. و هکذا هدایۀ من اهتدي تکون عن اختیاره، لا جبر و لا اکراه، لئلا یکون
للناس علی اللّه حجۀ بعد الرسل.
صریح فی الاستطاعۀ و الاختیار. .«3» و هکذا ما جاء بعد عدة آیات: ذلِکَ بِما قَدَّمَتْ أَیْدِیکُمْ وَ أَنَّ اللَّهَ لَیْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِیدِ
هذا تأیید و توفیق و لیس بالمبتدإ به. .«4» -82 هُوَ الَّذِي أَیَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَ بِالْمُؤْمِنِینَ وَ أَلَّفَ بَیْنَ قُلُوبِهِمْ
تلک هدایۀ توفیق و .«7» وَ اللَّهُ لا یَهْدِي الْقَوْمَ الْکافِرِینَ .«6» وَ اللَّهُ لا یَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِینَ .«5» -83 وَ اللَّهُ لا یَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِینَ
. تسدید ( 1) الانفال: 42
. 2) الانفال: 42 )
. 3) الانفال: 51 )
.63 - 4) الانفال: 62 )
. 5) التوبۀ: 19 )
صفحۀ 148 من 268
. 6) التوبۀ: 24 )
. 7) التوبۀ: 37 )
ص: 257
منحها للمؤمنین ممن جاهدوا فی لقاء ربهم. و منعها المردة العتاة ممن حرموا بأنفسهم تلقی فیوضه تعالی القدسیۀ.
الحق یعلو و لا یعلی » : هذه الآیۀ الکریمۀ عبارة اخري عن قولهم .«1» -84 وَ جَعَلَ کَلِمَ ۀَ الَّذِینَ کَفَرُوا السُّفْلی وَ کَلِمَ ۀُ اللَّهِ هِیَ الْعُلْیا
.« علیه
قال الامام الصادق (علیه السلام): لیس من باطل یقوم بازاء الحق إلّا غلب الحق الباطل. ثمّ تلا: بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَی الْباطِلِ فَیَدْمَغُهُ
.«3» «2» فَإِذا هُوَ زاهِقٌ
و هذا من لطفه تعالی بعباده، لئلا یشتبه حق بباطل أبدا و قد تقدم بعض الکلام فی ذلک.
.«4» -85 وَ لَوْ أَرادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً، وَ لکِنْ کَرِهَ اللَّهُ انْبِعاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ
هم المنافقون کذبوا فی دعواهم الرغبۀ فی الخروج مع الرسول (صلّی اللّه علیه و آله) و انما هو تقاعس عن الجهاد و مراوغۀ خبیثۀ، و
من ثمّ کان الأفضل أن لا یخرجوا، لانهم لو خرجوا ما زادوکم إلا خبالا و اضطرابا فی صفوفکم، فلم یوفقهم اللّه لهذه المکرمۀ، جزاء
لنفاقهم، و رحمۀ بالمؤمنین.
أي لن یصیبنا من الشدائد و البلایا و المصائب و .«5» -86 قُلْ لَنْ یُصِ یبَنا إِلَّا ما کَتَبَ اللَّهُ لَنا هُوَ مَوْلانا وَ عَلَی اللَّهِ فَلْیَتَوَکَّلِ الْمُؤْمِنُونَ
الآلام، سوي ما قدره اللّه تعالی لنا فی هذه الحیاة، اختبارا و بلاء لانفسنا.
ان تصبک حسنۀ تسؤهم » : و لیس المراد من ذلک هو سیئات اعمال اکتسبناها بأیدینا- کما زعمه الأشعري- و ذلک بدلیل الآیۀ قبلها
. إذ المقصود من الحسنۀ الظفر و الغنیمۀ، ( 1) التوبۀ: 40 « و ان تصبک مصیبۀ یقولوا قد أخذنا أمرنا من قبل
. 2) الانبیاء: 18 )
. 3) راجع: محاسن البرقی- کتاب مصابیح الظلم-: رقم 395 ص 222 )
. 4) التوبۀ: 46 )
. 5) التوبۀ: 55 )
ص: 258
و من المصیبۀ: الانکسار و الهزیمۀ.
و للآیۀ نظائر، منها قوله تعالی: ما أَصابَ مِنْ مُصِ یبَۀٍ فِی الْأَرْضِ وَ لا فِی أَنْفُسِکُمْ إِلَّا فِی کِتابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَها، إِنَّ ذلِکَ عَلَی اللَّهِ
.«2» و قوله: ما أَصابَ مِنْ مُصِیبَۀٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَ مَنْ یُؤْمِنْ بِاللَّهِ یَهْدِ قَلْبَهُ .«1» یَسِیرٌ. لِکَیْلا تَأْسَوْا عَلی ما فاتَکُمْ وَ لا تَفْرَحُوا بِما آتاکُمْ
.«3» -87 فَلا تُعْجِبْکَ أَمْوالُهُمْ وَ لا أَوْلادُهُمْ، إِنَّما یُرِیدُ اللَّهُ لِیُعَذِّبَهُمْ بِها فِی الْحَیاةِ الدُّنْیا وَ تَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَ هُمْ کافِرُونَ
هذا هو الاستدراج الذي سنبحث عنه. و هی عقوبۀ عاجلۀ ینالها المعاندون مع الحق، فلا تصیبهم محنۀ و لا ألم فی هذه الحیاة، تلک
المحنۀ التی کانت ابتلاء للمؤمنین و امتحانا لمبلغ صبرهم فی جنب اللّه. و ذلک أنّها لا تنفع هؤلاء الذین مرنوا علی العتو و الطغیان، و
لا یثنیهم عن مسیر الغیّ و الجهالۀ شیء.
و الخلاصۀ: انهم لسوء اختیارهم فی الحیاة استوجبوا حرمان رحمته تعالی و لطفه الخاص بالمؤمنین.
.«4» -88 فَأَعْقَبَهُمْ نِفاقاً فِی قُلُوبِهِمْ إِلی یَوْمِ یَلْقَوْنَهُ
الضمیر یعود إلی سوء صنیعهم الذي جاء فی الآیات قبلها. قال تعالی:
وَ مِنْهُمْ مَنْ عاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتانا مِنْ فَضْ لِهِ (أي الثروة) لَنَصَّدَّقَنَّ وَ لَنَکُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِینَ. فَلَمَّا آتاهُمْ مِنْ فَضْ لِهِ بَخِلُوا بِهِ (فلم تطاوعهم
صفحۀ 149 من 268
.«5» ( نفوسهم فی الصرف فی سبیل الله و أداء الواجب من الحق المفروض علیهم) وَ تَوَلَّوْا وَ هُمْ مُعْرِضُونَ (عن تذکیر الله إیاهم
.23 - فأورثهم ذلک نفاقا فی قلوبهم باظهار الاسلام و ابطان الکفر بحدوده ( 1) الحدید: 22
. 2) التغابن: 11 )
. 3) التوبۀ: 55 )
. 4) التوبۀ: 77 )
.76 - 5) التوبۀ: 75 )
ص: 259
.«1» و تکالیفه. و من ثمّ جاء التعقیب بقوله: بِما أَخْلَفُوا اللَّهَ ما وَعَدُوهُ وَ بِما کانُوا یَکْذِبُونَ
کنایۀ عن حالۀ الجفاء التی کانت قد عرضت نفوسهم علی اثر الاعراض عن ذکر اللّه، و «2» -89 وَ طُبِعَ عَلی قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا یَفْقَهُونَ
.«3» الصمود علی الغی و النفاق. و هو نظیر قوله تعالی: کَلَّا بَلْ رانَ عَلی قُلُوبِهِمْ ما کانُوا یَکْسِبُونَ
الرین: الصدأ. کأنّه صدأت قلوبهم و زال صقلها و صفاؤها علی أثر الخطیئات التی ارتکبوها.
.«4» -90 و هکذا قوله تعالی: وَ طَبَعَ اللَّهُ عَلی قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا یَعْلَمُونَ
هذا هو الخذلان، عقوبۀ عاجلۀ لمن أعرض عن ذکر اللّه و عاکس فطرته .«5» -91 ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا یَفْقَهُونَ
.«7» وَ جَزاءُ سَیِّئَۀٍ سَیِّئَۀٌ مِثْلُها .«6» فی اتجاه المسیر فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ
و وجه آخر: ان هذه الجملۀ دعاء علی المنافقین ازاء اعراضهم عن القرآن.
و غیرها و هی کثیر فی القرآن. «8» نظیر قوله تعالی: قاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّی یُؤْفَکُونَ
حیث .«11» و أمثال ذلک، قد تقدم الکلام فیها عند قوله: هُديً لِلْمُتَّقِینَ «10» لَآیاتٍ لِقَوْمٍ یَتَّقُونَ .«9» -92 یُفَصِّلُ الْآیاتِ لِقَوْمٍ یَعْلَمُونَ
المقصود:
انهم هم الذین ینتفعون بها اعظم نفع.
خذلان و عقوبۀ عاجلۀ ازاء صمودهم علی النکران و العناد مع الحق «12» -93 فَنَذَرُ الَّذِینَ لا یَرْجُونَ لِقاءَنا فِی طُغْیانِهِمْ یَعْمَهُونَ
الصراح.
بل سولت لهم أنفسهم .«14» زینه لهم الشیطان وَ زَیَّنَ لَهُمُ الشَّیْطانُ ما کانُوا یَعْمَلُونَ .«13» -94 کَذلِکَ زُیِّنَ لِلْمُسْرِفِینَ ما کانُوا یَعْمَلُونَ
. من بعد ( 1) التوبۀ: 77
. 2) التوبۀ: 87 )
. 3) المطففین: 14 )
. 4) التوبۀ: 93 )
. 5) التوبۀ: 127 )
. 6) الصف: 5 )
. 7) الشوري: 40 )
. 8) التوبۀ: 30 )
. 9) یونس: 5 )
. 10 ) یونس: 6 )
. 11 ) البقرة: 2 )
صفحۀ 150 من 268
. 12 ) یونس: 11 )
. 13 ) یونس: 12 )
. 14 ) الانعام: 43 )
ص: 260
.«2» إِنَّ اللَّهَ لا یُغَیِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّی یُغَیِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ «1» ما تبین لهم الهدي فسول لهم الشیطان و املی لهم
أي لو لا أنّه تعالی علم أنّ الصلاح فی التکلیف هو الامهال و .«3» -95 وَ لَوْ لا کَلِمَۀٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّکَ لَقُضِ یَ بَیْنَهُمْ فِیما فِیهِ یَخْتَلِفُونَ
افساح المجال تجاه اختیار المکلفین، لحکمۀ الاختبار و الابتلاء، لقضی علیهم بانزال العقوبۀ العاجلۀ.
أي جعلکم بحیث تستطیعون السیر فی البر و البحر، حسبما تقدم التحقیق فی اسناد .«4» -96 هُوَ الَّذِي یُسَ یِّرُکُمْ فِی الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ
.«5» الحوادث و المولدات إلیه تعالی
.«6» -97 وَ اللَّهُ یَدْعُوا إِلی دارِ السَّلامِ وَ یَهْدِي مَنْ یَشاءُ إِلی صِراطٍ مُسْتَقِیمٍ
أي یزید فی هدایۀ من اهتدي توفیقا و تسدیدا إلی الحق و الصواب.
هذا اخبار عن واقعیۀ مرّة، أي و لقد صح هذا الاختبار عن حالۀ .«7» -98 کَذلِکَ حَقَّتْ کَلِمَۀُ رَبِّکَ عَلَی الَّذِینَ فَسَ قُوا أَنَّهُمْ لا یُؤْمِنُونَ
الفاسقین التعنتیۀ، و المقاومۀ العنیفۀ تجاه قبول الحق الصریح. و لیس فی الآیۀ أنّه تعالی ألجأهم علی الکفر و الفسوق. إذ لا یلتئم
فهو .«8» الالجاء مع توبیخهم علی الجموح الذي جاء فی الآیۀ قبلها: فَذلِکُمُ اللَّهُ رَبُّکُمُ الْحَقُّ، فَما ذا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ، فَأَنَّی تُصْرَفُونَ
1) مقتبس من قوله تعالی: إِنَّ الَّذِینَ ارْتَدُّوا عَلی أَدْبارِهِمْ مِنْ ) . اخبار عن علم لا القضاء علیهم بالکفر. و ستجیء نظیرتها برقم: 102
. بَعْدِ ما تَبَیَّنَ لَهُمُ الْهُدَي، الشَّیْطانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَ أَمْلی لَهُمْ- سورة محمّد: 25
. 2) الرعد: 11 )
. 3) یونس: 19 )
. 4) یونس: 22 )
. 5) راجع صفحۀ: 177 فما بعد. و صفحۀ: 184 )
. 6) یونس: 25 )
. 7) یونس: 33 )
. 8) یونس: 32 )
ص: 261
-99 وَ مِنْهُمْ مَنْ یَسْتَمِعُونَ إِلَیْکَ، أَ فَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ وَ لَوْ کانُوا لا یَعْقِلُونَ. وَ مِنْهُمْ مَنْ یَنْظُرُ إِلَیْکَ، أَ فَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْیَ وَ لَوْ کانُوا لا
.«1» یُبْصِرُونَ
أي أنهم و ان کانوا یصغون إلیک بآذانهم، إلّا أنهم لا یعون شیئا من کلام الحق، کما أنهم و ان کانوا ینظرون إلیک بعیونهم، إلّا أنّهم
لا یبصرون شیئا من آیاته تعالی. إذ لا عبرة بالآذان و العیون إذا لم یکن إدراك بالقلب، الأمر الذي لا یملکه هؤلاء المنافقون. حیث
الخطایا و الآثام حالت بینهم و بین قلوبهم، فهم لا یفقهون.
أي سدد خطانا و وفقنا علی مواکبۀ الحق فی طول المسیر، کی لا ننحرف و لا ننزلق إلی .«2» -100 رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَۀً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِینَ
مهاوي الضلال، فنکون عبرة للظالمین. فهذا طلب توفیق من اللّه لیؤیدهم علی تجنب الباطل و مخالفۀ الهوي طول الحیاة.
لیست اللام- هنا- للغایۀ، و .«3» -101 وَ قالَ مُوسی رَبَّنا إِنَّکَ آتَیْتَ فِرْعَوْنَ وَ مَلَأَهُ زِینَۀً وَ أَمْوالًا فِی الْحَیاةِ الدُّنْیا رَبَّنا لِیُضِلُّوا عَنْ سَبِیلِکَ
أي ربنا انک أملیت لآل فرعون و استدرجتهم .«4» انما هی لام العاقبۀ، کما فی قوله: فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِیَکُونَ لَهُمْ عَدُ  وا وَ حَزَناً
صفحۀ 151 من 268
بالترفیۀ علیهم فی هذه الحیاة، عقوبۀ عاجلۀ ازاء تمردهم عن منهج الهدي و الصلاح، لکنهم استغلوا هذا الامهال و الافساح فی اضلال
عبادك، و الافساد فی الأرض. و من ثمّ دعا علیهم بزوال تلک النعم و أخذهم أخذ عزیز مقتدر. رَبَّنَا اطْمِسْ عَلی أَمْوالِهِمْ وَ اشْدُدْ
أي انهم مع ذلک لا یؤمنون إلّا إذا عاینوا الموت و أیقنوا بالهلاك. .«5» عَلی قُلُوبِهِمْ فَلا یُؤْمِنُوا حَتَّی یَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِیمَ
و قد استجاب اللّه هذا الدعاء اتماما للحجّۀ علیهم، و بالفعل قد تحقّق تنبّؤ موسی (علیه السلام) بعدم الفائدة. قال تعالی: ( 1) یونس:
.43 -42
. 2) یونس: 85 )
. 3) یونس: 88 )
. 4) القصص: 8 )
. 5) یونس: 88 )
ص: 262
و قال تعالی: قَدْ أُجِیبَتْ دَعْوَتُکُما فَاسْتَقِیما وَ لا تَتَّبِعانِّ سَبِیلَ .«1» وَ لَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِینَ وَ نَقْصٍ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ یَذَّکَّرُونَ
الَّذِینَ لا یَعْلَمُونَ. وَ جاوَزْنا بِبَنِی إِسْرائِیلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَ جُنُودُهُ بَغْیاً وَ عَدْواً، حَتَّی إِذا أَدْرَکَهُ الْغَرَقُ قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا
فَلَمْ یَکُ یَنْفَعُهُمْ إِیمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا .«2» الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِیلَ وَ أَنَا مِنَ الْمُسْلِمِینَ. آلْآنَ وَ قَدْ عَ َ ص یْتَ قَبْلُ وَ کُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِینَ
.«4» وَ لَیْسَتِ التَّوْبَۀُ لِلَّذِینَ یَعْمَلُونَ السَّیِّئاتِ حَتَّی إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّی تُبْتُ الْآنَ .«3» بَأْسَنا
و قد تقدم الکلام فی نظیرتها برقم: 98 . انها اخبار عن علم، لا حکم .«5» -102 إِنَّ الَّذِینَ حَقَّتْ عَلَیْهِمْ کَلِمَتُ رَبِّکَ لا یُؤْمِنُونَ
.«6» بالقضاء. بدلیل النهی عن التکذیب بآیات اللّه فی الآیۀ قبلها: وَ لا تَکُونَنَّ مِنَ الَّذِینَ کَذَّبُوا بِآیاتِ اللَّهِ فَتَکُونَ مِنَ الْخاسِرِینَ
تقدم أنّ المشیئۀ فی مثلها تکوینیۀ، أي لو شاء إلجاءهم علی الایمان .«7» -103 وَ لَوْ شاءَ رَبُّکَ لَآمَنَ مَنْ فِی الْأَرْضِ کُلُّهُمْ جَمِیعاً
لفعل، لکنه تعالی أراد الاختبار فی التکلیف، و من ثمّ أفسح لهم مجال الاختیار. و أمّا الهدایۀ التشریعیۀ فقد شاءها اللّه لکافۀ الناس وَ
.«8» إِنْ مِنْ أُمَّۀٍ إِلَّا خَلا فِیها نَذِیرٌ
تقدم (ص 182 ) ان الإذن تعبیر عن ارادته تعالی الحادثۀ، التابعۀ لارادة العباد، سنۀ .«9» -104 وَ ما کانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ
اللّه التی جرت فی الخلق، فما یرید العباد ایجاده فان اللّه یأذن فی تحققها وفق ما یریدون، تحقیقا لاختیاریۀ الافعال، و لیصح التکلیف
و الاختبار.
و معنی الآیۀ: ان ایمان المؤمن متوقف علی مقدمات یمهدها اللّه تعالی بلطفه و توفیقه، و لو لا توفیقه تعالی بدءا و ختما، لم یستطع
. أحد ان یبلغ الهدایۀ الحقۀ، ( 1) الاعراف: 130
.91 - 2) یونس: 89 )
. 3) غافر: 85 )
. 4) النساء: 18 )
. 5) یونس: 96 )
. 6) یونس: 95 )
. 7) یونس: 99 )
. 8) فاطر: 24 )
. 9) یونس: 100 )
ص: 263
صفحۀ 152 من 268
أو یهتدي إلی المحجۀ البیضاء بین محتلکات المسالک فی هذه الحیاة الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدانا لِهذا وَ ما کُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْ لا أَنْ هَدانَا اللَّهُ
.«1»
قالت الأشاعرة: الآیۀ تدل علی أنّه تعالی هو الذي لم یقدر الکافر علی .«2» -105 ما کانُوا یَسْتَطِیعُونَ السَّمْعَ وَ ما کانُوا یُبْصِ رُونَ
الایمان، فلم یستطع السمع و لا تمکن الابصار.
و الجواب: أنّ هذه الآیۀ توبیخ و لا توبیخ علی العاجز. بل الذي حجز قلوبهم دون نفوذ الحق فیها، هو القسوة و الجفاء الذي اکتسبته
.«3» قلوبهم علی أثر الخطایا و الذنوب، فصدهم عن ذکر اللّه الَّذِینَ کانَتْ أَعْیُنُهُمْ فِی غِطاءٍ عَنْ ذِکْرِي وَ کانُوا لا یَسْتَطِیعُونَ سَمْعاً
ذلک أنّ المؤمن- حیث رغبته فی الاهتداء- یسطیع ان یستمع إلی دلائل الهدي و الارشاد، بسهولۀ و یسر. و أمّا الفاسق العاتی، فان
نفسه لا تطاوعه للانصات إلی دعوة الحق، صم بکم عمی فهم لا یعقلون.
.«4» -106 وَ لا یَنْفَعُکُمْ نُصْحِی إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَکُمْ إِنْ کانَ اللَّهُ یُرِیدُ أَنْ یُغْوِیَکُمْ هُوَ رَبُّکُمْ وَ إِلَیْهِ تُرْجَعُونَ
الاغواء فی هذه الآیۀ هو الخذلان و سلب التوفیق علی أثر معاندتهم مع الحق، و متی بلغ الانسان هذه المرتبۀ من الجفاء العارم، و سلب
لعدم صلاحیۀ « لا یرید أن یهدیکم » :« یرید أن یغویکم » عنه التوفیق بما کسبت یداه، فلا موضع فی قلبه لنفاذ النصح و الارشاد. فمعنی
فی المحل و عدم استعداده للتلقی و القبول.
فهذا من التعنت و اللجاج تجاه .«5» و الدلیل علی ذلک قولهم: یا نُوحُ قَدْ جادَلْتَنا فَأَکْثَرْتَ جِدالَنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ کُنْتَ مِنَ الصَّادِقِینَ
. الحق بما ( 1) الاعراف: 43
. 2) هود: 20 )
. 3) الکهف: 101 )
. 4) هود: 34 )
. 5) هود: 32 )
ص: 264
یجعل تأثیر الدعوة فیهم مستحیلا.
الشقاء و السعادة فی الآیۀ بمعنی الضیق و السعۀ، فالکافر ذاك الیوم مضیق علیه فی شدة و ألم دائم. و .«1» -107 فَمِنْهُمْ شَقِیٌّ وَ سَعِیدٌ
المؤمن موسع علیه فی رفاه و سرور مستمر.
.( الارادة- هنا- تکوینیۀ و هی لا تتخلف عن المراد، حسب ما أسلفنا توضیحه سابقا (ص 168 .«2» -108 إِنَّ رَبَّکَ فَعَّالٌ لِما یُرِیدُ
-109 وَ لَوْ شاءَ رَبُّکَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّۀً واحِ دَةً. وَ لا یَزالُونَ مُخْتَلِفِینَ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّکَ. وَ لِذلِکَ خَلَقَهُمْ. وَ تَمَّتْ کَلِمَ ۀُ رَبِّکَ لَأَمْلَأَنَّ
.«3» جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّۀِ وَ النَّاسِ أَجْمَعِینَ
برفع اختلاف نزعاتهم و أهوائهم و اتجاهاتهم. و ذلک بالجائهم علی « لجعل الناس امّۀ واحدة » - بمشیئۀ تکوین -« و لو شاء ربک » أي
طریقۀ واحدة مسیرین علیها جبرا فی نظام رتیب کعیشۀ النمل و النحل.
و قوله: أَ فَلَمْ یَیْأَسِ الَّذِینَ آمَنُوا أَنْ لَوْ یَشاءُ اللَّهُ .«4» و هذا کقوله تعالی: وَ عَلَی اللَّهِ قَصْدُ السَّبِیلِ وَ مِنْها جائِرٌ وَ لَوْ شاءَ لَهَداکُمْ أَجْمَعِینَ
.«5» لَهَدَي النَّاسَ جَمِیعاً
و لکنه تعالی لم یشأ ذلک بشأن الانسان الذي منحه العقل و الکفاءة و العبقریۀ لیقوم هو بتکفل شخصیته و تکوین ذاته الکریمۀ
المفضلۀ علی سائر المخلوقین.
فی الأهواء و النزعات، دار تنازع فی البقاء. « لا یزالون مختلفین » من ثمّ « و»
. من عباده المخلصین ساروا علی نهج واحد مستقیم، فی ( 1) هود: 105 « إلّا من رحم ربّک »
صفحۀ 153 من 268
. 2) هود: 107 )
.119 - 3) هود: 118 )
. 4) النحل: 9 )
. 5) الرعد: 31 )
ص: 265
وحدة متماسکۀ، لا اختلاف بینهم و لا تجاذب فی مطالیب الحیاة، انهم عثروا علی ناموس السعادة و سر النجاة، هداهم إلیه ربهم
شَرَعَ .«2» فَهَدَي اللَّهُ الَّذِینَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِیهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ .«1» برحمۀ منه و فضل فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَۀٍ مِنَ اللَّهِ وَ فَضْلٍ لَمْ یَمْسَسْهُمْ سُوءٌ
وَ .«3» لَکُمْ مِنَ الدِّینِ ما وَصَّی بِهِ نُوحاً. وَ الَّذِي أَوْحَیْنا إِلَیْکَ وَ ما وَصَّیْنا بِهِ إِبْراهِیمَ وَ مُوسی وَ عِیسی أَنْ أَقِیمُوا الدِّینَ وَ لا تَتَفَرَّقُوا فِیهِ
.«4» أَنَّ هذا صِراطِی مُسْتَقِیماً فَاتَّبِعُوهُ، وَ لا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِکُمْ عَنْ سَبِیلِهِ
أي لأن تسعهم رحمته الواسعۀ و فضله الشامل، فی ظل حیاة سعیدة و هنیئۀ متماسکۀ، لا تعب فیها و لا نصب، لا « و لذلک خلقهم »
.«6» وَ أَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَی الطَّرِیقَۀِ لَأَسْقَیْناهُمْ ماءً غَدَقاً .«5» تشاحن فیها و لا تطاحن و لا عطب. یا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِکُمْ سَبِیلَ الرَّشادِ
أي صدق « و تمت کلمۀ ربّک » و لکن تلک ارادته تعالی التشریعیۀ تخلفت عن المراد، انهم فسقوا عن أمره تعالی فاستحقوا نار جهنم
بسبب فسوقهم و عصیان أمر ربهم العزیز القهار. « لأملأن جهنم من الجنۀ و الناس أجمعین » علمه السابق بشأن عصیان الانسان
.«8» أي هو منتهی کلّ مقصود و غایۀ کلّ مأمول. منه المبدأ و إلیه المعاد. إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَیْهِ راجِعُونَ .«7» -110 وَ إِلَیْهِ یُرْجَعُ الْأَمْرُ کُلُّهُ
إلی غیرها من آیات کلها تهدف شیئا .«10» یا أَیُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَی اللَّهِ وَ اللَّهُ هُوَ الْغَنِیُّ الْحَمِیدُ .«9» أَلا إِلَی اللَّهِ تَصِ یرُ الْأُمُورُ
وفق قانون ( 1) آل « کلّ ما بالغیر لا بد أن ینتهی إلی ما بالذات » واحدا: انه تعالی هو الغنی بالذات المفتقر إلیه سائر الموجودات
. عمران: 174
. 2) البقرة: 213 )
. 3) الشوري: 13 )
. 4) الانعام: 153 )
. 5) غافر: 38 )
. 6) الجن: 16 )
. 7) هود: 123 )
. 8) البقرة: 156 )
. 9) الشوري: 53 )
. 10 ) فاطر: 15 )
ص: 266
احتیاج الممکن الی الواجب، و هو اللّه الواجب الوجود، الأمر الذي لا صلۀ بینه و بین سلب قدرة العباد علی الایمان و العصیان، کما
یرومه الأشعري و أذنابه و قد تقدم (ص 178 ) البحث عن وجه انتساب الافعال الاختیاریۀ إلی اللّه، و إلی العباد أنفسهم بالذات، فی
لحاظین و باعتبارین، فراجع.
بالتوفیق و التسدید، و هو مزید لطف و عنایۀ یختص به عباده المکرمین ممن حاولوا الجهد فی «1» -111 کَذلِکَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ
.«2» سبیل هدیه تعالی وَ الَّذِینَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُديً وَ آتاهُمْ تَقْواهُمْ
ابتهال إلی اللّه ان یمن علیه برحمته الخاصۀ فیوفقه علی اجتناب معاصیه مزیدا من .«3» -112 وَ إِلَّا تَصْ رِفْ عَنِّی کَیْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَیْهِنَّ
صفحۀ 154 من 268
حیث صدقه فی الطلب و اخلاصه فی الاجتهاد إلی رضوانه تعالی. «4» قوة ایمانه الراسخ فَاسْتَجابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ کَیْدَهُنَّ
بشمول توفیقه و مزید عنایته الخاصۀ. «5» -113 إِلَّا ما رَحِمَ رَبِّی
. تقدم نظیرها برقم: 110 .«6» -114 إِنِ الْحُکْمُ إِلَّا لِلَّهِ
تلک إرادة تکوینیۀ بنزول العقوبۀ بعد ما سجلت علیهم اللعنۀ و سوء العذاب، و ذلک .«7» -115 وَ إِذا أَرادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ
بما أغلقوا هم علی أنفسهم أبواب رحمته تعالی فلا منفذ إلیهم أبدا. بدلیل صدر الآیۀ إِنَّ اللَّهَ لا یُغَیِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّی یُغَیِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ،
فلا تتغیر حالۀ سعادة إلی حالۀ شقاء إلّا إذا کانوا هم مهدوا السبیل إلی احداهما بالذات.
.«8» -116 وَ لِلَّهِ یَسْجُدُ مَنْ فِی السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ طَوْعاً وَ کَرْهاً
السجود هنا هو الخضوع و الاستسلام المحض لأوامره تعالی. فکل ما بالوجود من جماد و ذي حیاة، هو رهن قوانین و أنظمۀ و أحکام
. ان طبیعیۀ کانت- کما فی ( 1) یوسف: 24
. 2) محمّد: 17 )
. 3) یوسف: 33 )
. 4) یوسف: 34 )
. 5) یوسف: 53 )
. 6) یوسف: 67 )
. 7) الرعد: 11 )
. 8) الرعد: 15 )
ص: 267
الجماد و النبات و أکثر الحیوان- أو تشریعیۀ، کما فی الانسان فیما یخص جانب تکالیفه و وظائفه الوضعیۀ. و الاستسلام طوعا ینظر
إلی هذا النوع الأقل. و کرها إلی النوع الأکثر. و لذلک جاء فی بقیۀ الآیۀ: وَ ظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَ الْآصالِ یعنی حتی الظلال خاضعۀ لنظمه
أَ وَ لَمْ یَرَوْا إِلی ما خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَیْءٍ یَتَفَیَّؤُا ظِلالُهُ عَنِ الْیَمِینِ وَ الشَّمائِلِ سُجَّداً لِلَّهِ وَ «1» : تعالی صباحا و مساء. و جاء فی سورة النحل
هُمْ داخِرُونَ.
أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ یَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِی السَّماواتِ وَ مَنْ فِی الْأَرْضِ وَ الشَّمْسُ وَ الْقَمَرُ وَ النُّجُومُ وَ الْجِبالُ وَ «2» : و الآیۀ نظیرتها فی سورة الحج
و هو خضوع اختیاري لم یقم به جمیع بنی ) « و کثیر من الناس » ( الشَّجَرُ وَ الدَّوَابُّ (إلی هنا کان السجود قهریا و طبیعیا علی حد تعبیرنا
بسبب امتناعه عن الاستسلام لقیادته تعالی). ) « حق علیه العذاب » ( من الناس ) « و کثیر » ( الانسان و من ثمّ هذا التعبیر
.«4» تقدم الکلام فیه بتفصیل .«3» -117 قُلِ اللَّهُ خالِقُ کُلِّ شَیْءٍ
. تقدم الکلام فیه أیضا برقم: 103 و 109 .«5» -118 لَوْ یَشاءُ اللَّهُ لَهَدَي النَّاسَ جَمِیعاً
إذ لا یقع شیء فی الوجود إلّا بإذنه تعالی، حتی و لو کانت أفعالا اختیاریۀ .«6» -119 لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَی النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ
واقعۀ تحت إرادة فاعلیها. فانها أیضا لا تتحقق إلّا من بعد إذنه تعالی. و هی ارادته الحادثۀ المتعلقۀ بتحقق الأشیاء وفق سنن و عوامل
. أودعها اللّه فی طبیعۀ هذا الکون. و قد ( 1) النحل: 48
. 2) الحج: 18 )
. 3) الرعد: 17 )
182 . و مسألۀ إرادة اللّه الحادثۀ ص 183 . و مسألۀ - 4) راجع: مسألۀ التوحید فی الافعال ص 173 . و مسألۀ الأمر بین الأمرین ص 174 )
.192 - 188 . و ص 191 - انتساب الحوادث الی اللّه ص 184 . و اخیرا نفس الآیۀ و ما شاکلها ص 185
صفحۀ 155 من 268
. 5) الرعد: 31 )
. 6) إبراهیم: 1 )
ص: 268
تقدّم تحقیقه فی مسألۀ الأمر بین الأمرین و غیرها من مسائل مرتبطۀ بالموضوع.
و نظیرها الآیۀ: 16 من سورة المائدة. و قد تقدمت.
تقدّم فی غیر موضع أنّ الهدایۀ فی مثلها توفیق و تسدید. و الاضلال خذلان و .«1» -120 فَیُضِ لُّ اللَّهُ مَنْ یَشاءُ وَ یَهْدِي مَنْ یَشاءُ
حرمان، وفق ما استعدّوا بأنفسهم من تلقی الدعوة و رفضها.
و ذلک باجتبائه نبیا مرسلا إلی الناس، لما وجد فیه من استعداد و صلاحیۀ القیام «2» -121 وَ لکِنَّ اللَّهَ یَمُنُّ عَلی مَنْ یَشاءُ مِنْ عِبادِهِ
بهذه المهمۀ العظمی. و لیس اعتباطا فی الاختیار.
هذه قولۀ الشاکر لأنعم اللّه، الواعی لعظیم لطفه تعالی بعباده، و أجدر بها من .«3» -122 وَ ما لَنا أَلَّا نَتَوَکَّلَ عَلَی اللَّهِ وَ قَدْ هَدانا سُبُلَنا
نعمۀ کبري أن هداهم النجدین، و هداهم السبیل. و لزم علی نفسه المزید من ألطافه ان هم أجابوا دعوته و أسلموه قیادتهم. قَدْ جاءَکُمْ
مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَ کِتابٌ مُبِینٌ. یَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَ یُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَی النُّورِ بِإِذْنِهِ وَ یَهْدِیهِمْ إِلی صِ راطٍ
.«4» مُسْتَقِیمٍ
تلک قولۀ المستکبرین، زعموا انه تعالی خذلهم و اضلهم عن سواء السبیل، و ذهب عنهم انهم «5» -123 قالُوا لَوْ هَدانَا اللَّهُ لَهَدَیْناکُمْ
.«6» هم کانوا السبب فی هذا الحرمان و الخیبۀ عن رضوانه تعالی. انْظُرْ کَیْفَ کَذَبُوا عَلی أَنْفُسِهِمْ وَ ضَلَّ عَنْهُمْ ما کانُوا یَفْتَرُونَ
. و من ثمّ کذبهم الشیطان فی هذا الزعم الباطل ( 1) إبراهیم: 4
. 2) إبراهیم: 11 )
. 3) إبراهیم: 12 )
.16 - 4) المائدة: 15 )
. 5) إبراهیم: 21 )
. 6) الانعام: 24 )
ص: 269
وَ قالَ الشَّیْطانُ لَمَّا قُضِیَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَکُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَ وَعَدْتُکُمْ فَأَخْلَفْتُکُمْ وَ ما کانَ لِی عَلَیْکُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُکُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ
.«1» لِی، فَلا تَلُومُونِی وَ لُومُوا أَنْفُسَکُمْ ما أَنَا بِمُصْرِخِکُمْ وَ ما أَنْتُمْ بِمُصْرِخِیَّ إِنِّی کَفَرْتُ بِما أَشْرَکْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ
.«2» و هکذا کذبهم اللّه فی آیۀ اخري نظیرتها: وَ قالُوا لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ ما عَبَدْناهُمْ ما لَهُمْ بِذلِکَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا یَخْرُصُونَ
.«3» -124 یُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِینَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِی الْحَیاةِ الدُّنْیا وَ فِی الْآخِرَةِ. وَ یُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِینَ
کما هو خذلان للذین .«4» هذا هو التوفیق الربانی الذي یمنحه لعباده المؤمنین الذین قالوا ربنا اللّه ثمّ استقاموا یَهْدِیهِمْ رَبُّهُمْ بِإِیمانِهِمْ
.«5» سعوا فی آیاته معاجزین أُولئِکَ لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِیمٌ
أي باذنه. و قد تقدم وجه انتساب الأفعال مطلقا إلی اللّه حتی و لو کانت «6» -125 وَ سَخَّرَ لَکُ مُ الْفُلْکَ لِتَجْرِيَ فِی الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ
.«7» اصطناعیۀ و اختیاریۀ صادرة عن إرادة العباد بالذات
ابتهال إلیه تعالی أن یمنحه التوفیق و التسدید، و المزید من عنایۀ ألطافه الخاصۀ بالمؤمنین. .«8» -126 وَ اجْنُبْنِی وَ بَنِیَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ
أي ثبتنی علی القول الثابت فی الحیاة الدنیا. فهو سؤال التوفیق و تأییده .«9» -127 و هکذا قوله: رَبِّ اجْعَلْنِی مُقِیمَ الصَّلاةِ وَ مِنْ ذُرِّیَّتِی
. علی الاستقامۀ و الثبات. راجع الرقم 124
صفحۀ 156 من 268
.«10» -128 وَ إِنْ مِنْ شَیْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَ ما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ
. قالت الأشاعرة و من علی شاکلتهم من مجبرة الاسلام: ان هذه الآیۀ تدل علی أنّ المعاصی من عند اللّه. ( 1) إبراهیم: 22
. 2) الزخرف: 20 )
. 3) إبراهیم: 27 )
. 4) یونس: 9 )
. 5) سبأ: 5 )
. 6) إبراهیم: 32 )
. ص 184 « انتساب الحوادث إلی اللّه » 7) راجع مسألۀ )
. 8) إبراهیم: 35 )
. 9) إبراهیم: 40 )
. 10 ) الحجر: 21 )
ص: 270
و الجواب: أنّ المراد بالآیۀ هی رحمته تعالی و برکاته علی الأرض، بدلیل تمام الآیۀ:
وَ الْأَرْضَ مَدَدْناها وَ أَلْقَیْنا فِیها رَواسِیَ، وَ أَنْبَتْنا فِیها مِنْ کُلِّ شَیْءٍ مَوْزُونٍ. وَ جَعَلْنا لَکُمْ فِیها مَعایِشَ، وَ مَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرازِقِینَ. وَ إِنْ مِنْ
.«1» شَیْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَ ما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ. وَ أَرْسَلْنَا الرِّیاحَ لَواقِحَ، فَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَسْقَیْناکُمُوهُ، وَ ما أَنْتُمْ لَهُ بِخازِنِینَ
و أین هذا من أفعال العباد، فضلا عن الآثام التی یرتکبونها، مما قد نهی اللّه؟! کیف یجبرهم علی المعصیۀ و هو ینهاهم عنها و یعاقبهم
علیها، انّها نقمۀ لا تناسب بینها و بین فحوي الآیۀ التی هی بصدد تعداد نعمه تعالی علی الانسان.
.«2» -129 قالَ رَبِّ بِما أَغْوَیْتَنِی لَأُزَیِّنَنَّ لَهُمْ فِی الْأَرْضِ وَ لَأُغْوِیَنَّهُمْ أَجْمَعِینَ
تقدم الکلام فی نظیرتها من سورة الاعراف: 16 . و کأنّ الاغواء- ان صح التعبیر- بمعنی الخذلان و عدم المزید من عنایته الخاصۀ. و
إلّا فکیف التوفیق بینه و بین ذمه تعالی لا بلیس فی امتناعه عن السجود لآدم و استکباره عن أمر ربه؟! 130 - وَ نَزَعْنا ما فِی صُدُورِهِمْ
.«3» مِنْ غِلٍّ، إِخْواناً عَلی سُرُرٍ مُتَقابِلِینَ
.«4» تلک مثوبۀ رحمانیۀ تطهر قلوبهم عن أدران منافسات دنیویۀ لا مجال لها فی دار الآخرة، وَ جَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّۀً وَ حَرِیراً
أي علمنا فی الازل أنّها من الباقین الهالکین، فهو اخبار عن واقع قبل وقوعه، و لیس قضاء .«5» -131 إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنا إِنَّها لَمِنَ الْغابِرِینَ
علیها بالجبر رغم ارادتها، بدلیل آیات غیرها کان التعبیر فیها مجرد اخبار عن واقعیۀ مرة فَأَنْجَیْناهُ وَ أَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ کانَتْ مِنَ الْغابِرِینَ
- نعم جاء ( 1) الحجر: 19 .«8» إِذْ نَجَّیْناهُ وَ أَهْلَهُ أَجْمَعِینَ إِلَّا عَجُوزاً فِی الْغابِرِینَ -«7» لَنُنَجِّیَنَّهُ وَ أَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ کانَتْ مِنَ الْغابِرِینَ -«6»
.22
. 2) الحجر: 39 )
. 3) الحجر: 47 )
. 4) الانسان: 12 )
. 5) الحجر: 60 )
. 6) الاعراف: 83 )
. 7) العنکبوت: 32 )
.135 - 8) الصافات: 134 )
صفحۀ 157 من 268
ص: 271
التعبیر فی سورة النمل- 57 بمثل التعبیر فی سورة الحجر.
أي أعلمنا و أخبرناه به. و یطلق القضاء علی الاخبار بالحتم، لأنه فی .«1» -132 وَ قَضَیْنا إِلَیْهِ ذلِکَ الْأَمْرَ أَنَّ دابِرَ هؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِینَ
اللغۀ بمعنی الفراغ من الشیء و البلوغ نهایته. فناسب اطلاقه علی کلّ أمر قاطع للشک، کالخبر الحتم، أو رافع للنزاع، کحکم القاضی
العدل. و من ثمّ یطلق علی انقضاء الأجل بالموت أیضا. و قد جاء جمیع هذه الاستعمالات فی القرآن بکثیر.
.«2» -133 وَ عَلَی اللَّهِ قَصْدُ السَّبِیلِ وَ مِنْها جائِرٌ. وَ لَوْ شاءَ لَهَداکُمْ أَجْمَعِینَ
وَ .«4» الَّذِي أَعْطی کُلَّ شَیْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدي .«3» هذه الآیۀ الکریمۀ تعنی هدایته تعالی العامّۀ، الشاملۀ للخلق کلهم: إِنَّ عَلَیْنا لَلْهُدي
إلی غیرهن من آیات تدل علی أنه تعالی تکفل لهذا الانسان هدایته .«6» إِنَّا هَدَیْناهُ السَّبِیلَ إِمَّا شاکِراً وَ إِمَّا کَفُوراً .«5» هَدَیْناهُ النَّجْدَیْنِ
إلی طرق الصلاح و الفساد، و ان کان قد أمره باتباع طرق الخیر و النجاح.
فعلیه تعالی أن یهدي قاصد السبیل اطلاقا، غیر أن منها جائرا نهی عن اتباعها و ان کان قد أقدر علی الاختیار لحکمۀ التکلیف و
الاختبار.
. فقد تقدمت و تقدم الکلام فی نظائرها. راجع الفقرة: 103 و 109 « و لو شاء لهداکم أجمعین » أمّا الجملۀ الأخیرة
.«7» -134 وَ قالَ الَّذِینَ أَشْرَکُوا لَوْ شاءَ اللَّهُ ما عَبَدْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَیْءٍ نَحْنُ وَ لا آباؤُنا وَ لا حَرَّمْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَیْءٍ
. احتج الأشعري بما حکاه تعالی عن المشرکین، فیما زعموا من الجائهم علی ( 1) الحجر: 66
. 2) النحل: 9 )
. 3) اللیل: 12 )
. 4) طه: 50 )
. 5) البلد: 10 )
. 6) الانسان: 3 )
. 7) النحل: 35 )
ص: 272
. الکفر، حسبما زعمه الأشعري أیضا خلفا عنهم. و قد تقدم نظیر الآیۀ برقم: 123 ص 268
و قد کذبهم اللّه علی هذه المزعومۀ فی آیۀ اخري نظیرتها: وَ قالُوا لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ ما عَبَدْناهُمْ ما لَهُمْ بِذلِکَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا
.«2» انْظُرْ کَیْفَ کَذَبُوا عَلی أَنْفُسِهِمْ وَ ضَلَّ عَنْهُمْ ما کانُوا یَفْتَرُونَ .«1» یَخْرُصُونَ
.«3» -135 وَ لَقَدْ بَعَثْنا فِی کُلِّ أُمَّۀٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَ اجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ. فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَي اللَّهُ وَ مِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَیْهِ الضَّلالَۀُ
أي فمنهم من استجاب لدعوة الحق فهداه اللّه إلی سبل السلام. و منهم من رفض الدعوة و أعرض عن قبول الحق، فخذلهم اللّه و
ترکهم فی ظلمات الغیّ یعمهون، و من ثمّ تمکن الضلال من قلوبهم فأصمهم و أعمی أبصارهم فلا یفقهون شیئا و لا یعقلون.
هذا تیئیس للنبیّ (صلّی اللّه علیه و آله) و أنّ هؤلاء قد حقت علیهم .«4» -136 إِنْ تَحْرِصْ عَلی هُداهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا یَهْدِي مَنْ یُضِلُّ
و نظیرتها قوله تعالی: إِنَّکَ لا تَهْدِي .«5» الضلالۀ و بذلک قد سدوا علی أنفسهم المنفذ إلی الهدي. مِمَّا خَطِیئاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا ناراً
مَنْ أَحْبَبْتَ (ممن فصلته عنک خطیئاته التی احاطت من کل الجوانب- إِنَّکَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتی فلم یستعد بنفسه لقبول نصح أو ارشاد)
ممن استوجبوا لأنفسهم التأیید و التسدید و جاهدوا فی اللّه حق جهاده. «6» وَ لکِنَّ اللَّهَ یَهْدِي (بتوفیقه و ألطافه الخاصۀ) مَنْ یَشاءُ
قالوا: و هذا یدل علی أنّ الایمان- و هو من أکبر النعم- من عند اللّه. .«7» -137 وَ ما بِکُمْ مِنْ نِعْمَۀٍ فَمِنَ اللَّهِ
. قلنا: نعم، و لکن لا دلالۀ فیها علی أنّه کان بالالجاء. ( 1) الزخرف: 20
صفحۀ 158 من 268
. 2) الانعام: 24 )
. 3) النحل: 36 )
. 4) النحل: 37 )
. 5) نوح: 25 )
. 6) القصص: 56 )
. 7) النحل: 53 )
ص: 273
و لم یقل: أنّه ألجأهم علی الایمان من غیر أن یکونوا علی اختیار فی الرفض و القبول. .«1» بَلِ اللَّهُ یَمُنُّ عَلَیْکُمْ أَنْ هَداکُمْ لِلْإِیمانِ
و قد تقدم الکلام عن مراحل الهدایۀ، منها مرحلتان تکوینیتان سبقتا مرحلۀ الهدایۀ التشریعیۀ الواقعۀ تحت اختیار المکلفین فی القبول و
الامتناع. فی حین انها بجمیع مراحلها نعمۀ کبري من عند اللّه العزیز الحکیم.
قالوا: و هذا- أیضا- یدلّ علی نفی الاستطاعۀ و أن لا قدرة للعباد علی .«2» -138 ضَ رَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْداً مَمْلُوکاً لا یَقْدِرُ عَلی شَیْءٍ
الاختیار.
قلنا: هذا نفی لقدرة تشریعیۀ فیما لم یخوله مولاه. و لیس نفیا لمطلق قدرته علی شیء. فهلّا کان العبد المملوك غیر قادر علی المشی و
التکلم و الاختیار و الارادة فیما یخص من أفعاله الخاصۀ؟! نعم هو غیر متمکن تشریعا من تصرفات مالیۀ و فیما یخص شئون مولاه.
الأمر الذي لا ننکره بشأن العبید الحقیقیین تجاه المولی الحقیقی الکریم.
انها مشیئۀ .«4» تقدم نظیرها فی عدة مواضع .«3» -139 وَ لَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَکُمْ أُمَّۀً واحِ دَةً. وَ لکِنْ یُضِ لُّ مَنْ یَشاءُ وَ یَهْدِي مَنْ یَشاءُ
تکوینیۀ لم یشأها اللّه بشأم المکلفین. لتنافیها مع حکمۀ التکلیف و الاختبار.
و لکن یضل- بالخذلان- من یشاء- ممن استوجب لنفسه الحرمان- و یهدي- بالتوفیق و التسدید- من یشاء من استحقوا مزید عنایته
تعالی بفضل جهادهم فی سبیل اللّه.
حیث لم .«5» ( -140 إِنَّ الَّذِینَ لا یُؤْمِنُونَ بِآیاتِ اللَّهِ (باصرارهم علی منابذة الحق) لا یَهْدِیهِمُ اللَّهُ (بتوفیقه و المزید من ألطافه الخاصۀ
. یدعوا مجالا لشمول عنایته تعالی إیاهم، و ألقوا بأنفسهم إلی التهلکۀ. ( 1) الحجرات: 17
. 2) النحل: 75 )
. 3) النحل: 93 )
. 4) راجع بالخصوص الفقرة: 103 و 109 و 118 )
. 5) النحل: 104 )
ص: 274
.«1» -141 وَ قَضَیْنا إِلی بَنِی إِسْرائِیلَ فِی الْکِتابِ لَتُفْسِدُنَّ فِی الْأَرْضِ مَرَّتَیْنِ وَ لَتَعْلُنَّ عُلُ  وا کَبِیراً
و هذا القضاء إخبار من اللّه تعالی لهم بما سیکون منهم، حسب ما وقع فی علمه الأزلی من مآلهم، لا أنه قضاء قهري علیهم تنشأ منه
و ما سیکون فهو بالنسبۀ إلی علمه تعالی کائن، و ان .«2» أفعالهم. فاللّه سبحانه لا یقضی بالافساد علی أحد قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا یَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ
کان بالقیاس إلی علم البشر لم یکن بعد و لم یکشف عنه الستار. و من ثمّ عبر بالقضاء و هو الابرام القاطع.
أي هم انبعثوا بارادتهم الخاصۀ. و أمّا النسبۀ إلی اللّه فلأنه مودع القوي المحرکۀ فی هذا .«3» -142 بَعَثْنا عَلَیْکُمْ عِباداً لَنا أُولِی بَأْسٍ
و قال بعضهم: انه تعالی خلی بینهم و «4» الکون، و لا یزال یفیض علیها بالامداد علی طول البقاء. و قد تقدم الکلام فی ذلک بتفصیل
بین القوم و لم یمنعهم من محاربتهم، الأمر الذي یعبر عنه باذنه تعالی فی الامور، و من ثمّ جاز أن یقول: بعثنا. کما قال: أَنَّا أَرْسَلْنَا
صفحۀ 159 من 268
.«6» «5» الشَّیاطِینَ عَلَی الْکافِرِینَ تَؤُزُّهُمْ أَ  زا
قالوا: انه یدل علی أنه تعالی هو الفاعل لکلّ شیء. «7» -143 وَ کُلَّ شَیْءٍ فَصَّلْناهُ تَفْصِیلًا
قلنا: انه تفصیل لآیات الکون و مظاهره الطبیعیۀ، و هی تجري علی سنن و نظم رتیب لا عوج فیه و لا اختلاف.
أمّا ما یرجع إلی أفعال الانسان الاختیاریۀ فهی الآیۀ بعدها: وَ کُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِی عُنُقِهِ وَ نُخْرِجُ لَهُ یَوْمَ الْقِیامَۀِ کِتاباً یَلْقاهُ
. فلولا أنه المسئول عن أفعاله، و انه مختار فی ( 1) الاسراء: 4 .«8» مَنْشُوراً. اقْرَأْ کِتابَکَ کَفی بِنَفْسِکَ الْیَوْمَ عَلَیْکَ حَسِیباً
. 2) الاعراف: 28 )
. 3) الاسراء: 5 )
. 4) راجع الصفحۀ: 183 )
. 5) مریم: 83 )
. 6) متشابهات القاضی: ج 2 ص 457 . نهایۀ الفقرة: 416 )
. 7) الاسراء: 12 )
.14 - 8) الاسراء: 13 )
ص: 275
فعل ما یرید و ترك ما یکره، لما کان لمثل هذا الکلام فی مثل هذه اللهجۀ المهددة موضع صحیح.
و لا سیما و تعقیبها بآیۀ هی أشد صراحۀ فی مسئولیۀ الانسان ذاته عما یرتکبه من أعمال: مَنِ اهْتَدي فَإِنَّما یَهْتَدِي لِنَفْسِهِ. وَ مَنْ ضَ لَّ
.«1» فَإِنَّما یَضِلُّ عَلَیْها، وَ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْري وَ ما کُنَّا مُعَذِّبِینَ حَتَّی نَبْعَثَ رَسُولًا
.«2» -144 وَ إِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِکَ قَرْیَۀً أَمَرْنا مُتْرَفِیها فَفَسَقُوا فِیها فَحَقَّ عَلَیْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْناها تَدْمِیراً
و قد قامت الأشاعرة حول هذه الآیۀ الکریمۀ و قعدت و طبّلت و زمّرت، زاعمۀ صراحتها فی أنّه تعالی هو الذي یرید الکفر و الفسوق
.«3» و یأمر بهما لغرض هلاك من یرید اهلاکه ابتداء و من غیر ما سبب مبرر
و الجواب: أوّلا- وقوع هذه الآیۀ أثر الآیۀ المتقدمۀ الصریحۀ فی اختیار العباد و تحملهم المسئولیۀ، مما یحتم توجیه هذا إلی ما یلتئم
مع قرائنها و إلّا لوجد معارضو القرآن إلی اختلاف آیاته سبیلا.
قال الکعبی: انّ سائر الآیات دلت علی أنّه تعالی لا یبتدئ بالتعذیب و الاهلاك، لقوله: إِنَّ اللَّهَ لا یُغَیِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتَّی یُغَیِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ
فکل هذه الآیات تدلّ .«6» و قوله: وَ ما کُنَّا مُهْلِکِی الْقُري إِلَّا وَ أَهْلُها ظالِمُونَ .«5» و قوله: ما یَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذابِکُمْ إِنْ شَکَرْتُمْ وَ آمَنْتُمْ «4»
. علی أنّه تعالی لا یبتدئ بالاضرار. و أیضا ما قبل هذه الآیۀ یدلّ علی هذا المعنی، و هو قوله: ( 1) الاسراء: 15
. 2) الاسراء: 16 )
3) سننقل نص کلامهم فی تأویل الآیۀ- وفق مذهبهم فی الجبر- عن الرازي فی تفسیره فی التعلیق الآتی. )
. 4) الرعد: 11 )
. 5) النساء: 147 )
. 6) القصص: 59 )
ص: 276
و من المحال أن یقع بین آیات القرآن .«1» مَنِ اهْتَدي فَإِنَّما یَهْتَدِي لِنَفْسِهِ، وَ مَنْ ضَ لَّ فَإِنَّما یَضِلُّ عَلَیْها، وَ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْري
.«2» تناقض. فثبت أنّ الآیات التی تلوناها محکمۀ، و کذا هذه الآیۀ، فیجب حملها علی تلک الآیات. حملا للمتشابه علی المحکم
و ثانیا- للآیۀ تأویل صحیح، و فی نفس الوقت منسجم مع ظاهر التعبیر تمام الانسجام:
صفحۀ 160 من 268
و ذلک أنّ الارادة فی الآیۀ لیست بمعنی أنّه تعالی قد یرید بقوم سوءا لا موجب له، فیعمد- لتبریره- إلی التماس حجج و معاذیر هو
کلا، بل الارادة- هنا- تعبیر عن واقعیۀ محضۀ عملت فی تکوین ذاتها عند توفر شروط التحقق و العوامل !«3» « یتکلفها و یمهد أسبابها
حیث لا إرادة و لا قصد و انما هو اقتضاء واقع الأمر. .«4» المستدعیۀ للتکوین. کقوله تعالی: فَوَجَدا فِیها جِداراً یُرِیدُ أَنْ یَنْقَضَّ
و هکذا فی الآیۀ الکریمۀ کانت الارادة بمعنی اقتضاء واقعهم السیئ للهلاك و الدمار.
و علیه فمعنی الآیۀ: انّه متی ما حان وقت هلاك قوم، فأراد اللّه ان ینزل بهم العقاب حسب اقتضاء واقعهم المتفسخ المنهار، کان من
علامۀ ذلک ان یقوم کبراؤهم المنعمون و زعماؤهم المتبعون، بطغیان عارم و استهتار بالمعاصی و الفجور، فعند ذلک تحق علیهم
. کلمۀ العذاب. ( 1) الاسراء: 15
.176 - 2) التفسیر الکبیر: ج 20 ص 175 )
3) قال الفخر الرازي- و هو أشعري-: احتج أصحابنا بهذه الآیۀ علی مذهبهم من وجوه، الأوّل: ان ظاهر الآیۀ یدل علی انه تعالی اراد )
ایصال الضرر الیهم ابتداء، ثم توسل الی اهلاکهم بهذا الطریق. الثانی: ان ظاهر الآیۀ یدل علی انه تعالی انما خص المترفین بذلک
بالتعذیب و الکفر، و « فحق علیها القول » الأمر، لعلمه بأنهم یفسقون. و ذلک یدل علی انه تعالی اراد منهم الفسق. الثالث: انه تعالی قال
متی حق علیها القول بذلک امتنع صدور الایمان منهم، لان ذلک یستلزم انقلاب خبر اللّه الصدق کذبا، و ذلک محال، و المفضی الی
المحال محال.
. 4) الکهف: 77 )
ص: 277
یعنی: کان من علامۀ ذلک انه کلما أمرناهم بشیء خالفوا أمرنا و استعصوا عن الامتثال، و أخذوا فی « أمرنا مترفیها ففسقوا فیها » : فقوله
.«1» معاکسۀ معالم الهدي و الصلاح
فاذا ما رأیتم قوما سیطرت علیهم المیوعۀ و الاستهتار بمقدسات الشریعۀ، و تفشی بینهم الفساد و الفحشاء، فاعلموا أن البلایا قد وافتهم،
و اقترب منهم الهلاك و الدمار.
و هذا کما قیل: إذا أرادت السماء أن تمطر تغیّمت. أي إذا دنا وقت الامطار، کان من علامۀ ذلک أن تتغیم السماء بالسحاب.
هذا ما فهمناه من ظاهر تعبیر الآیۀ بعد تعمق، و بلا تکلیف فی التخریج، الأمر الذي لا یکاد یخفی علی من دقّق النظر فی جوانب الآیۀ
بامعان.
و هذا اختیار أکثر المفسرین السلف و الخلف حیث أخذوا من الأمر متعلقا بالطاعۀ دون الفسق، نظیر قولهم: أمرته فخالف. و دعوته
بالقصر و التخفیف، لاجماع الحجۀ من « أمرنا » فأبی. قال أبو جعفر الطبري- بعد أن ذکر عدة روایات فی تأویل الآیۀ، و صوب قراءة
القراءات علی تصویبها:- فاولی التأویلات به هو تأویل من تأوله أمرنا أهلها بالطاعۀ فعصوا و فسقوا فیها فحق علیهم القول. لأن الأغلب
الأمر الذي هو خلاف النهی دون غیره. و توجیه معانی کلامه- جلّ ثناؤه- إلی الأشهر الأعرف من معانیه أولی، ما « أمرنا » من معنی
:« ففسقوا فیها » وجد إلیه سبیل، من غیره. و معنی قوله
یقول: « فحق علیها القول » . فخالفوا أمر الله فیها و خرجوا عن طاعته
فوجب علیها بمعصیتهم اللّه و فسوقهم فیها، وعید اللّه الذي أوعد من کفر به و خالف رسله، من الهلاك بعد الاعذار و الانذار »
فدمرناها ( 1) نظرا لان الفسق هو الخروج عن الاطار المضروب حدا للشیء. » .« بالرسل و الحجج
ص: 278
.«1» ... یقول: فخربناها عند ذلک تخریبا و أهلکنا من کان فیها من أهلها اهلاکا « تدمیرا
و لم یرتض الزمخشري هذا الوجه باطلاق، و قال فی ذلک کلاما دقیقا ننقله بنصه:- قال: فان قلت: هلّا زعمت أن معناه: أمرناهم
صفحۀ 161 من 268
بالطاعۀ ففسقوا؟ قلت:
یدل « فسقوا » لا، لأن حذف ما لا دلیل علیه غیر جائز، فکیف یحذف ما الدلیل قائم علی نقیضه! و ذلک أن المأمور به انما حذف لأنّ
علیه، و هو کلام مستفیض، یقال: أمرته فقام، و أمرته فقرأ، و لا یفهم منه إلّا أنّ المأمور به قیام أو قراءة. و لو ذهبت تقدّره غیره فقد
رمت من مخاطبک علم الغیب.
و لا یلزم علی هذا قولهم: أمرته فعصانی أو فلم یمتثل أمري، لأنّ ذلک مناف للأمر مناقض له و لا یکون ما یناقض الأمر مأمورا به،
فکان محالا ان یقصد أصلا، حتی یجعل دالّا علی المأمور به، فکان المأمور به فی هذا الکلام غیر مدلول علیه و لا منوي، لأنّ من
.«2» یتکلّم بهذا الکلام فانّه لا ینوي لأمره مأمورا به، و کأنّه یقول: کان منی أمر فلم تکن منه طاعۀ
کما أنّ من یقول: فلان یعطی و یمنع، و یأمر و ینهی! غیر قاصد إلی مفعول.
فان قلت: هلّا کان ثبوت العلم بأنّ اللّه لا یأمر بالفحشاء، و إنما یأمر بالقصد و الخیر دلیلا علی أنّ المراد: أمرناهم بالخیر ففسقوا؟ قلت:
. یدافعه، فکأنک أظهرت شیئا و أنت تدّعی اضمار خلافه، ( 1) جامع البیان للطبري: ج 15 ص 43 « ففسقوا » : لا یصحّ ذلک، لأنّ قوله
أمرته » أي امرته بشیء یستدعی طاعۀ، لکنه خالف و عصی. و لا یقصد « الطاعۀ » 2) هذا هو بالذات مقصود من یقدر فی الکلام )
مسبوقا بأمر آخر تعلق بشیء آخر. فالمأمور به فی الآیۀ لا مقدر و لا منوي، و انما « أطع » إذ الأمر بالطاعۀ یکون بلفظ .« بنفس الطاعۀ
المقصود مجرد توجه أمر الیهم بما یستدعی وجوب امتثالهم و القیام بما القی الیهم من وظائف و تکالیف، لکنهم لم یمتثلوها و قاموا
.« أمرته فعصی » و « دعوته فأبی » فی مخالفتها و معاکستها. کما فی
ص: 279
فکان صرف الأمر إلی المجاز هو الوجه.
و إذا دنا وقت :-«... و إذا أردنا » و أمّا الوجه الذي اختاره هو فهو ما أشار إلیه أخیرا من صرف الأمر إلی المجاز، قال- فی قوله تعالی
أي أمرناهم بالفسق ففعلوا، و الأمر مجاز، لأنّ حقیقۀ أمرهم بالفسق « ففسقوا » اهلاك قوم و لم یبق من زمان امهالهم الا قلیل، أمرناهم
أن یقول لهم: افسقوا، و هذا لا یکون، فبقی أن یکون مجازا. و وجه المجاز أنّه صبّ علیهم النعمۀ صبا، فجعلوها ذریعۀ إلی المعاصی
و اتّباع الشهوات فکأنهم مأمورون بذلک، لتسبب ایلاء النعمۀ فیه و انما خوّلهم إیاها لیشکروا أو یعملوا فیها الخیر، و یتمکّنوا من
الاحسان و البرّ، کما خلقهم أصحّاء أقویاء و أقدرهم علی الخیر و الشر، و طلب منهم إیثار الطاعۀ علی المعصیۀ فآثروا الفسوق. فلما
.«1» فسقوا حقّ علیهم القول، و هو کلمۀ العذاب فدمّرهم
و أحسن من تکلّم فی الآیۀ علی وجه یوافق مذهب الاعتزال: القفال، فانه ذکر فی تأویلها وجهین:
الأوّل: أنّه تعالی أخبر أنّه لا یعذّب أحدا بما یعلمه منه ما لم یعمل، أي لا یجعل علمه حجّۀ علی من علم أنّه ان أمره عصاه، بل یأمره،
فاذا ظهر عصیانه للناس فحینئذ یعاقبه. فقوله: وَ إِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِکَ قَرْیَۀً أَمَرْنا مُتْرَفِیها معناه:
و إذا أردنا امضاء ما سبق من القضاء باهلاك قوم، أمرنا المتنعمین المتعززین- الظانّین أنّ أموالهم و أولادهم و أنصارهم ترد عنهم
بأسنا- بالایمان بی و العمل بشرائع دینی، علی ما بلغهم عنی رسولی، ففسقوا. فحینئذ یحقّ علیهم القضاء السابق باهلاکهم، لظهور
معاصیهم.
. و الحاصل: أنّ المعنی: و إذا أردنا أن نهلک قریۀ بسبب علمنا بأنهم ( 1) راجع: الکشاف: ج 2 ص 654
ص: 280
لا یقدمون إلّا علی المعصیۀ، لم نکتف فی تحقیق ذلک الاهلاك بمجرّد ذلک العلم. بل أمرنا مترفیها ففسقوا، فاذا ظهر منهم ذلک
الفسق، فحینئذ نوقع علیهم العذاب الموعود به.
الثانی: أن نقول: و إذا أردنا أن نهلک قریۀ بسبب ظهور المعاصی من أهلها، لم نعاجلهم بالعذاب فی أول ظهور المعاصی منهم، بل
صفحۀ 162 من 268
أمرنا مترفیها بالرجوع عن تلک المعاصی. و إنّما خصّ المترفین بذلک الأمر، لأنّ المترف هو المتنعم. و من کثرت نعم اللّه علیه، کان
قیامه بالشکر أوجب، فاذا أمرهم بالتوبۀ و الرجوع مرة بعد اخري، مع أنّه تعالی لا یقطع عنهم تلک النعم، بل یزیدها حالا بعد حال
فحینئذ یظهر عنادهم و تمردهم و ابتعادهم عن الرجوع من الباطل إلی الحق، فحینئذ یصبّ اللّه البلاء علیهم صبا.
ثمّ قال القفال: و هذان التأویلان راجعان إلی: أنّ اللّه تعالی أخبر عباده أنّه لا یعاجل بالعقوبۀ امّۀ ظالمۀ حتی یعذر الیهم غایۀ الاعذار،
و قال: أَنَّهُ لَنْ یُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِکَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ .«1» الذي یقع منه الیأس من ایمانهم، کما قال فی قوم نوح: وَ لا یَلِدُوا إِلَّا فاجِراً کَفَّاراً
.«3» و قال فی غیرهم: فَما کانُوا لِیُؤْمِنُوا بِما کَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ .«2»
ثمّ أخبر ثانیا فی هذه الآیۀ أنّه إذا بعث الرسول أیضا فکذبوا لم یعاجلهم .«4» فأخبر تعالی أوّلا أنّه لا یظهر العذاب إلّا بعد بعثۀ الرسول
بالعذاب، بل یتابع علیهم النصائح و المواعظ، فان بقوا مصرّین علی الذنوب، فهناك ینزل علیهم عذاب الاستئصال.
(1) .«5» قال الامام الرازي: و هذا التأویل الذي ذکره القفال فی تطبیق الآیۀ علی قول المعتزلۀ، لم یتیسّر لأحد من شیوخ المعتزلۀ مثله
. نوح: 27
. 2) هود: 36 )
. 3) الاعراف: 101 )
4) فی قوله تعالی: وَ ما کُنَّا مُعَذِّبِینَ حَتَّی نَبْعَثَ رَسُولًا قبل الآیۀ المبحوث عنها. )
. 5) التفسیر الکبیر: ج 20 ص 176 )
ص: 281
و قال الجبائی: لیس المراد من الآیۀ أنه تعالی یرید اهلاکهم قبل أن یعصوا و یستحقّوا، و ذلک لانه ظلم و هو علی اللّه محال. بل
قرب تلک الحالۀ، فکأنّ التقدیر: و إذا قرب وقت اهلاك قریۀ، أمرنا مترفیها ففسقوا فیها، و هو کقول القائل: إذا « الارادة » المراد من
أراد المریض ان یموت ازداد مرضه شدة، و إذا أراد التاجر أن یفتقر أتاه الخسران من کلّ جهۀ، و لیس المراد: أن المریض یرید أن
یموت، و التاجر یرید أن یفتقر، و انما یعنون أنه سیصیر کذلک، فکذا هاهنا.
و هذا الوجه الذي ذکره الجبائی هو الذي اخترناه، و من ثمّ فان مراجعۀ اختیارنا تذهب بمواقع الابهام من هذا الکلام.
و لعل ما ذکره الشریف المرتضی بهذا الصدد أجمع و أوفی من الجمیع، فقد ذکر فی تأویل الآیۀ وجوها أربعۀ. کلّ منها یبطل الشبه
الداخلۀ علی المبطلین فیها، ممن عدلوا بتأویلها عن وجهه، و صرفوه عن بابه- علی حد تعبیره- و الیک:- أولها: أنّ الهلاك قد یکون
حسنا و قد یکون قبیحا، فإذا کان مستحقا أو علی سبیل الامتحان کان حسنا. و انما یکون قبیحا إذا کان ظلما، فتعلّق الارادة به لا
یقتضی تعلقها به علی الوجه القبیح، و لا ظاهر للآیۀ یقتضی ذلک.
و إذا علمنا بالأدلّۀ تنزه القدیم تعالی عن القبائح، علمنا ان الارادة لم تتعلق إلّا بالاهلاك الحسن. و قوله تعالی: أَمَرْنا مُتْرَفِیها المأمور به
محذوف، و لیس یجب أن یکون المأمور به هو الفسق. و ان وقع بعده الفسق، و یجري هذا مجري قول القائل: أمرته فعصی، و دعوته
فأبی. و المراد: أننی أمرته بالطاعۀ، و دعوته إلی الاجابۀ و القبول.
قال: و یمکن أن یقال علی هذا الوجه: لیس موضع الشبهۀ ما تکلّمتم علیه، و انما موضعها أن یقال: أيّ معنی لتقدّم الارادة؟ فان کانت
متعلقۀ باهلاك مستحق بغیر الفسق المذکور فی الآیۀ، فلا معنی لقوله تعالی: إذا أردنا أمرنا، لأنّ
ص: 282
امره بما یأمر به لا یحسّن ارادته للعقاب المستحق بما تقدم من الأفعال. و ان کانت الارادة متعلقۀ بالاهلاك المستحق بمخالفۀ الأمر
المذکور فی الآیۀ، فهذا الذي تأبونه، لانه یقتضی أنه تعالی مرید لا هلاك من لم یستحقّ العقاب! و الجواب عن ذلک: أنّه تعالی لم
یعلّق الارادة الّا باهلاك المستحق بما تقدم من الذنوب، و الذي حسن قوله تعالی: و إذا أردنا أمرنا ... هو ان فی تکرار الأمر بالطاعۀ و
صفحۀ 163 من 268
الایمان اعذارا إلی العصاة، و انذارا لهم، و ایجابا و اثباتا للحجۀ علیهم حتی یکونوا متی خالفوا و اقاموا علی العصیان و الطغیان بعد
تکرار الوعید و الوعظ و الانذار، ممن یحقّ علیه القول، و تجب علیه الحجۀ.
و یشهد بصحۀ هذا التأویل قوله تعالی- قبل هذه الآیۀ-: وَ ما کُنَّا مُعَذِّبِینَ حَتَّی نَبْعَثَ رَسُولًا.
و الوجه الثانی: أن یکون قوله تعالی: أَمَرْنا مُتْرَفِیها من صفۀ القریۀ و صلتها، و لا یکون جوابا لقوله تعالی: وَ إِذا أَرَدْنا و یکون تقدیر
علی هذا الجواب لم یأت لها جواب ظاهر فی « إذا » الکلام: و إذا أردنا ان نهلک قریۀ من صفتها أنا أمرنا مترفیها ففسقوا فیها. و تکون
الآیۀ، للاستغناء عنه بما فی الکلام من الدلالۀ علیه. و نظیر هذا قوله تعالی فی صفۀ الجنۀ: حَتَّی إِذا جاؤُها وَ فُتِحَتْ أَبْوابُها وَ قالَ لَهُمْ
خَزَنَتُها سَلامٌ عَلَیْکُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِینَ. وَ قالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ وَ أَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّۀِ حَیْثُ نَشاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ
.«2» و لم یأت لإذا جواب فی طول الکلام، للاستغناء عنه .«1» الْعامِلِینَ
و یشهد بصحۀ هذا الجواب قول الهذلی:
«3» حتی اذا اسلکوهم فی قتائدة شلا کما تطرد الجمالۀ الشردا
.74 - 1) الزمر: 73 )
.« کان التقدیر: اذا جاؤها حضروها و فتحت. او هموا بدخولها. و ما اشبه ذلک، و اللّه العالم » : 2) فی حاشیۀ الامالی )
3) هو لعبد مناف بن ربع الهذلی فی آخر قصیدة أولها: )
ص: 283
.«1» و لم یأت به، لأنّ هذا البیت آخر القصیدة « اذا » فحذف جواب
أو تنبیها علی المعلوم من حال القوم و عاقبۀ أمرهم، و أنهم متی «2» و الوجه الثالث: أن یکون ذکر الارادة فی الآیۀ مجازا أو اتساعا
امروا فسقوا و خالفوا. و ذکر الارادة یجري هاهنا مجري قولهم: إذا أراد التاجر ان یفتقر أتته النوائب من کلّ جهۀ، و جاءه الخسران من
کلّ طریق، و قولهم: اذا أراد العلیل أن یموت خلط فی مآکله، و تسرّع إلی کلّ ما تتوق الیه نفسه. و معلوم أنّ التاجر لم یرد فی
الحقیقۀ شیئا، و لا العلیل أیضا. لکن لما کان المعلوم من حال هذا الخسران، و من حال هذا الهلاك، حسن هذا الکلام، و استعمل
.«3» ذکر الارادة لهذا الوجه
و لهذه الحال کان ما ذا یغیر ابنتی ربع عویلهما لا ترقدان و لا بؤسی لمن ،«4» و کلام العرب وحی و اشارات و استعارات و مجازات
رقدا
علی المصدر. و دلّ علی فعل مضمر یحصل بظهوره « شلا » قتائدة: موضع. و الجمالۀ: أصحاب الجمال، کالبغالۀ و الحمارة. و انتصاب
المنتظر. و تلخیصه: حتی اذا سلکوا بهم الی هذا الموضع شلوهم شلا مثل مطاردة الجمال اذا تزاحمت علی « حتی اذا سلکوهم » جواب
. الماء. انظر: ادب الکاتب ص 424
جواب الشرط جزء لا یتم المشروط دونه، فاذا حذف کان أهول للکلام، کقوله تعالی: وَ لَوْ أَنَّ قُرْآناً سُیِّرَتْ بِهِ » : 1) فی حاشیۀ الأمالی )
.« لو رأیت علیا بصفین » : الْجِبالُ- الرعد: 31 ، و کقول القائل
.« لو ذات سوار لطمتنی » : و کقولهم
2) هذا بعینه اختیار الزمخشري (ت 528 ) الآنف، و لعله أخذه من الشریف المرتضی (ت 436 ) علیه الرحمۀ. )
تصویر المجاز فی الآیۀ علی أن التقدیر: اذا قرب هلاك قرب أمرنا مترفیها ففسقوا. و کذلک قولهم: اذا أراد » : 3) فی حاشیۀ الأمالی )
المریض ... التقدیر: اذا قرب موت المریض خلط. و کذلک التاجر اذا قرب افتقاره أتته النوائب. و هذا کقوله تعالی: فَوَجَدا فِیها جِداراً
یُرِیدُ أَنْ یَنْقَضَّ أي یقرب ان ینقض. و انما کنی بالارادة عن القرب فی هذه المواضع، لان المرید للشیء، المخلی بینه و بینه، و لا مانع
.« هناك، ما أقرب ما یقع مراده. و اللّه اعلم
صفحۀ 164 من 268
کقوله تعالی: جدارا یرید .« الارادة قد تستعمل فی الجماد، فضلا عن العقلاء » : 4) فی حاشیۀ الأمالی )
ص: 284
کلامهم فی المرتبۀ العلیا من الفصاحۀ، فان الکلام متی خلا من الاستعارة، و جري کلّه علی الحقیقۀ کان بعیدا من الفصاحۀ، بریّا من
البلاغۀ، و کلام اللّه تعالی أفصح الکلام.
و الوجه الرابع: أن تحمل الآیۀ علی التقدیم و التأخیر، فیکون تلخیصها: إذا أمرنا مترفی قریۀ بالطاعۀ فعصوا و استحقوا العقاب أردنا
اهلاکهم، و التقدیم و التأخیر فی الشعر و کلام العرب کثیر.
و مما یمکن ان یکون شاهدا لصحۀ هذا التأویل من القرآن، قوله تعالی:
و الطهارة انما تجب قبل القیام إلی الصلاة. و قوله تعالی: وَ «1» یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَی الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَکُمْ وَ أَیْدِیَکُمْ
و قیام الطائفۀ معه یجب أن یکون قبل اقامۀ الصلاة، لأنّ اقامتها هی .«2» إِذا کُنْتَ فِیهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طائِفَۀٌ مِنْهُمْ مَعَکَ
.«3» الاتیان بجمیعها علی الکمال
و قراءة من ان ینقض، و کقول الراعی النمیوي. ،«4» « أمّرنا » : قال: و أمّا قراءة من قرأ الآیۀ بالتشدید، فقال
فی مهمه قلقت به هاماتها قلق الفئوس اذا أردن نصولا
المهمه: المفازة البعیدة المقفرة. و القلق: الاضطراب. و فأس اللجام: الحدیدة القائمۀ فی الحنک.
و النصول: الخروج.
. 1) المائدة: 6 )
. 2) النساء: 102 )
و مثله قوله: ما ان مفاتحه لتنوأ بالعصبۀ اولی القوة- القصص: » : 3) و زاد شیخ الطائفۀ أبو جعفر الطوسی )
و التقدیر: ما ان مفاتحه لتنوأ بها العصبۀ أي یثقلون بها. و مثله قول الشاعر: .«76
ذعرت القطا و نفیت عنه مقام الذئب کالرجل اللعین
أراد: مقام الذئب اللعین. و قد فصلوا بین المضاف و المضاف الیه، قال الشاعر: بین ذراعی و جبهۀ الاسد. أراد بین ذراعی الأسد و
.( جبهته (تفسیر التبیان ج 6 ص 460
4) بتشدید المیم من باب التفعیل، هی قراءة أبی عثمان النهدي. و قراءة اللیث عن أبی عمرو. و أبان عن عاصم (القراءات الشاذة، )
.( لابن خالویه ص 75
ص: 285
إلّا الوجه الاول، فان معناه لا یلیق .«2» فلن یخرج معنی قراءتیهما عن الوجوه التی ذکرناها ،«1» « آمرنا » : قرأها بالمدّ و التخفیف، فقال
.«3» إلّا بأن یکون ما تضمنته الآیۀ هو الأمر الذي یستدعی به الفعل
باختلاف یسیر جدا، الأمر الذي « التبیان » و قد نقل الشیخ أبو جعفر الطوسی- رحمه اللّه- (ت 360 ) هذه الوجوه الاربعۀ فی تفسیره
علی عادته فی اقتفاء اثر الشیخ فی « مجمع البیان » یدل علی استجواده لها بشأن الآیۀ الکریمۀ. و هکذا الشیخ أبو علی الطبرسی فی
. لابن شهرآشوب ج 1 ص 184 « متشابهات القرآن و مختلفه » التفسیر. و هکذا تجد مقتضبها فی
لا یدلّ علی أنّه تعالی یرید- بارادته التشریعیۀ- الفساد و القبائح. و انما «4» -145 مَنْ کانَ یُرِیدُ الْعاجِلَۀَ عَجَّلْنا لَهُ فِیها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِیدُ
تعنی الآیۀ أنّ مَنْ کانَ یُرِیدُ الْحَیاةَ الدُّنْیا وَ زِینَتَها نُوَفِّ إِلَیْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِیها وَ هُمْ فِیها لا یُبْخَسُونَ. أُولئِکَ الَّذِینَ لَیْسَ لَهُمْ فِی الْآخِرَةِ
فمن کانت همته الدنیا فحظه ما تمتع منها مشوبا بالأکدار، و لا حظّ له فی سعادة الحیاة الخالصۀ الباقیۀ. ( 1) هی قراءة خارجۀ عن .«5»
نافع (المصدر).
صفحۀ 165 من 268
بتشدید المیم- من التأمیر بمعنی التسلیط، و قد یکون بمعنی أکثرنا. « امرنا » : 2) قال الشیخ فی التبیان )
ممدودا- بمعنی اکثرنا مترفیها. و انما قیل فی الکثرة: آمر القوم، لانهم -« آمرنا » و یجوز أن یکون المعنی اکثرنا عددهم او ما لهم. و
یحتاجون الی أمیر یأمرهم و ینهاهم فقد آمروا لذلک، قال لبید:
ان یغبطوا یهبطوا و ان آمروا یوما یصیروا للهلاك و الکند
(التبیان: ج 6 ص 461 ) یعنی: ان افتقروا بحیث تمنوا مثل حال غیرهم قل عددهم. و اما اذا کثروا و ازدادوا نعما، فانهم یصیرون الی
الإبادة و کفران النعم.
3) أمالی المرتضی (غرر الفوائد و درر القلائد) للشریف علی بن الحسین الموسوي العلوي (علم الهدي): )
5 المجلس الأول. - ج 1 ص 1
. 4) الاسراء: 18 )
.16 - 5) هود: 15 )
ص: 286
.«1» -146 وَ قَضی رَبُّکَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِیَّاهُ وَ بِالْوالِدَیْنِ إِحْساناً
القضاء- هنا- بمعنی الحکم التشریعی، بدلیل التخلف.
قالوا: انها تدلّ علی أنه تعالی هو منع الکفار .«2» -147 وَ إِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَیْنَکَ وَ بَیْنَ الَّذِینَ لا یُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً
من الایمان.
قلنا: الآیۀ الکریمۀ خصت اولئک الذین مردوا علی الکفر و العصیان فلا یؤمنون أبدا، بهذا الحجاب، و هو حجاب القسوة و الجفاء و
.«3» التعامی عن معاینۀ الحق فَبِما نَقْضِهِمْ مِیثاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَ جَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِیَۀً
و انّما هم أوجدوا هذا الحجاب و عملوا فی تغلیظه و المزید من تکاثفه علی أثر مبالغتهم فی ارتکاب الخطایا و الآثام، فأبعدتهم عن
رحمۀ اللّه الواسعۀ. فقوله:
أي کان بینک و بینهم حجاب. کما فی قوله- بعد هذه الآیۀ-: «... جعلنا »
وَ جَعَلْنا عَلی قُلُوبِهِمْ أَکِنَّۀً أَنْ یَفْقَهُوهُ وَ فِی آذانِهِمْ وَقْراً و قوله:
و انما ینسبه تعالی إلی نفسه، لانه هو الذي منح القوي و جعل لهم الاختیار «4» وَ قالُوا قُلُوبُنا فِی أَکِنَّۀٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَیْهِ وَ فِی آذانِنا وَقْرٌ
فی الرفض و الایمان، و أقدرهم علی العمل، ان خیرا و ان شرا، حسبما تقدم.
قالوا: هذا صریح فی نفی استطاعۀ العبید. .«5» -148 فَضَلُّوا فَلا یَسْتَطِیعُونَ سَبِیلًا
قلنا: عدم الاهتداء إلی السبیل- فی الآیۀ- مترتب علی الضلال. فانهم بفعل خطیئآتهم و عصیان تعالیم الرسول (صلّی اللّه علیه و آله)
ضلّوا السبیل أوّلا، فلم یستطیعوا بعد ذلک من الاهتداء إلی الطریق.
.«6» -149 وَ لَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ کِدْتَ تَرْکَنُ إِلَیْهِمْ شَیْئاً قَلِیلًا
. تمسّکت الأشاعرة بهذه الآیۀ تدلیلا علی ان ثبات المطیع علی الطاعۀ انما ( 1) الاسراء: 23
. 2) الاسراء: 45 )
. 3) المائدة: 13 )
. 4) فصلت: 5 )
. 5) الاسراء: 48 )
. 6) الاسراء: 74 )
صفحۀ 166 من 268
ص: 287
هو بفعل اللّه، و لولاه لم یکد یثبت کما کان لم یؤمن.
قلنا: ثلاث آیات ( 73 و 74 و 75 ) نزلن بشأن مشرکی قریش، عرضوا علی النبیّ (صلّی اللّه علیه و آله) مسالمته مع آلهتهم فلا یذکرهم
بسوء، فیتوافقوا معه و لا ینابذوه فی دعوته. فنزلت الآیات ردعا لاذعا لمثل هذا الاقتراح المنافق، و تیئیسا قاطعا لأمل المشرکین، فلا
یطمعوا فی رسول اللّه (صلّی اللّه علیه و آله) و هو داعیۀ التوحید الخالص، و نبذ الشرك و عبادة الأصنام قطعا فی جذورها.
.«1» فلا یجامل فیما یناقض دعوته إلی اللّه وحده لا شریک له
ذکر الشیخ أبو علی الطبرسی وجوها فی سبب نزول الآیات، منها: ان قریشا أتوا النبیّ (صلّی اللّه علیه و آله) فقالوا له: کفّ عن شتم
حتی نجالسک و نسمع منک فطمع «4» الذین رائحتهم رائحۀ الصنان «3» و اطرد هؤلاء العبید و السقّاط «2» آلهتنا و تسفیه أحلامنا
النبیّ (صلّی اللّه علیه و آله) فی اسلامهم ان وافقهم علی بعض ما یقولون. فنزلت الآیات ردعا له (صلّی اللّه علیه و آله) فلا ینبغی لنبی
.«5» ان یجامل فی دینه أو یداهن أحدا فی مقترحۀ المخالف لاصول التعلیم الدینی الحنیف
و هذا التشدید فی لحن الآیات یستهدف قطع أمل المشرکین فی أي مساومۀ مع النبیّ (صلّی اللّه علیه و آله) قطعا صارما. کما هو
1) راجع: الجزء الأول ) « إیاك أعنی و اسمعی یا جارة » تهدید صریح بمن یهم مجاملۀ مع اعداء الدین أیا کان و أیا کانوا، من باب
. من کتابنا ص 190
2) الاحلام: جمع الحلم- بکسر الحاء- و هو العقل. )
3) السقاط: جمع الساقط- کطلاب و طالب- بمعنی المبتذل الفاقد للشخصیۀ الاجتماعیۀ. )
4) الصنان- کغراب- ذفر الابط، و النتن عموما. )
5) مجمع البیان: ج 6 ص 431 . و انما اخترنا هذا الوجه- و هو ثانی وجوه خمسۀ ذکرها الطبرسی- لقوته و موافقته مع ظاهر القرآن، )
و التئامه مع موقف النبیّ (صلّی اللّه علیه و آله) المعصوم من الخطأ و الزلل لا فی عقیدته و لا فی سلوکه اطلاقا.
ص: 288
کما
ورد فی حدیث الامام علی بن موسی الرضا (علیه السلام) مع المأمون- الخلیفۀ العباسی- بشأن عصمۀ الانبیاء (علیهم السلام) فذکر
الآیۀ، و قال:
.«1» هذا مما نزل بإیاك أعنی و اسمعی یا جارة، خاطب اللّه تعالی بذلک نبیّه و المراد به امّته
« هدي للمتقین » هذه الآیۀ کآیۀ البقرة .«2» -150 وَ نُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَ رَحْمَ ۀٌ لِلْمُؤْمِنِینَ وَ لا یَزِیدُ الظَّالِمِینَ إِلَّا خَساراً
اختصاص من جانب القابل لا الفاعل. ان فی القرآن شفاء و رحمۀ لاولئک الذین خالطت قلوبهم بشاشۀ الایمان، فأشرقت و تفتحت
لتلقی ما فی القرآن من روح و طمأنینۀ و أمان.
أمّا المنهمکون فی کبریاء الشقاق و اللجاج، فلا یزیدون إلّا عتوا و نفورا، و عنادا مع الحق و شقاء مع الأبد.
قال تعالی: وَ إِذا ما أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ یَقُولُ أَیُّکُمْ زادَتْهُ هذِهِ إِیماناً، فَأَمَّا الَّذِینَ آمَنُوا فَزادَتْهُمْ إِیماناً وَ هُمْ یَسْتَبْشِرُونَ. وَ أَمَّا الَّذِینَ
.«3» فِی قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَی رِجْسِهِمْ وَ ماتُوا وَ هُمْ کافِرُونَ
إنّه توفیق و مزید من ألطاف و عنایات خاصۀ بالمؤمنین حقا. .«4» -151 إِنَّهُمْ فِتْیَۀٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَ زِدْناهُمْ هُديً. وَ رَبَطْنا عَلی قُلُوبِهِمْ
.«5» -152 مَنْ یَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ. وَ مَنْ یُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِیا مُرْشِداً
هذا توفیق و عنایۀ ربانیۀ للذین استعدوا بأنفسهم لتلقّی فیض رحمته الواسعۀ. کما هو خذلان و حرمان لمن أعرض عن ذکر ربه و نسی
الآخرة.
صفحۀ 167 من 268
أي إلّا أن یأذن اللّه تعالی حسب ما تقدم تحقیقه، إذ لو لا اذنه تعالی .«6» -153 وَ لا تَقُولَنَّ لِشَیْءٍ إِنِّی فاعِلٌ ذلِکَ غَداً إِلَّا أَنْ یَشاءَ اللَّهُ
لم یقع شیء، ( 1) راجع: تفسیر الصافی: ج 1 ص 983 نقلا عن العیون. و هکذا عن الکافی الشریف و غیره.
. 2) الاسراء: 82 )
.125 - 3) براءة: 124 )
.14 - 4) الکهف: 13 )
. 5) الکهف: 17 )
.24 - 6) الکهف: 23 )
ص: 289
و لیس هذا دلیلا علی أنّه تعالی هو الفاعل لأفعال العباد، نعم هو تعالی خالق لأفعالهم بمعنی أن سنته جرت فی ایجاد ما یرید العباد
ایجاده، بارادة حادثۀ أثر إرادة العباد. و من ثمّ صحت نسبۀ الافعال إلی اللّه کما صحّت نسبتها إلی العباد أنفسهم نسبۀ حقیقیۀ لا
.«1» استعارة و لا مجاز
قالوا: هذا یدلّ علی أنّه تعالی هو یخلق فی قلب العبد الجهل و الغفلۀ و یمنعه من الایمان! قلنا: لو .«2» -154 وَ لا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنا قَلْبَهُ
کان کذلک لما صحّ توجیه الملامۀ الیه و الاستنکار. و الآیۀ الکریمۀ توبیخ لاذع و طعن و تقبیح.
و المراد: من تغافل عن قبول الهدي فخذله اللّه، فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ. و من ثمّ کان تعقیب الآیۀ: وَ اتَّبَعَ هَواهُ وَ کانَ أَمْرُهُ فُرُطاً
أي سرفا و تضییعا.
.«3» -155 وَ قُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّکُمْ فَمَنْ شاءَ فَلْیُؤْمِنْ وَ مَنْ شاءَ فَلْیَکْفُرْ
قالوا: هذا یدلّ علی أنّ الکفر و الایمان کلیهما من قبله تعالی.
قلنا: بل علی العکس أدلّ. لأنّ صریح الآیۀ: أنّ اللّه یهدي إلی الحق، فمن شاء قبل و من شاء رفض، حیث لا اکراه فی الدین و لا الجاء
فی التکلیف.
فدلالۀ الآیۀ علی اختیاریۀ الایمان و الکفر أوضح.
. تقدّم الکلام عنها فی نظائرها فی عدة مواضع سابقۀ. منها الأخیر برقم: 147 ص 286 «4» -156 إِنَّا جَعَلْنا عَلی قُلُوبِهِمْ أَکِنَّۀً
(1) . تقدّم الکلام فی نظیرتها برقم: 148 ص 286 «5» -157 الَّذِینَ کانَتْ أَعْیُنُهُمْ فِی غِطاءٍ عَنْ ذِکْرِي وَ کانُوا لا یَسْتَطِیعُونَ سَمْعاً
راجع: مسألۀ التوحید فی الافعال ص 173 . و مسألۀ الأمر بین الأمرین ص 174 فما بعد. و مسألۀ إرادة اللّه الحادثۀ ص 183 . و غیرها
من مسائل مرتبطۀ.
. 2) الکهف: 28 )
. 3) الکهف: 29 )
. 4) الکهف: 57 )
. 5) الکهف: 101 )
ص: 290
طلب المزید من عنایته تعالی و التوفیق. .«1» -158 وَ اجْعَلْهُ رَبِّ رَضِیا
اخبار عن لطف خاص یجعله تعالی فی محلّ قابل حسب علمه الأزلی. .«2» -159 وَ حَناناً مِنْ لَدُنَّا وَ زَکاةً وَ کانَ تَقِیا
.«3» -160 و هکذا قوله تعالی بشأن عیسی (علیه السلام) خطابا لمریم (علیها السلام): لِأَهَبَ لَکِ غُلاماً زَکِیا
-161 و نظیرهما قوله تعالی: وَ جَعَلَنِی مُبارَکاً أَیْنَ ما کُنْتُ وَ أَوْصانِی بِالصَّلاةِ وَ الزَّکاةِ ما دُمْتُ حَیا. وَ بَ  را بِوالِدَتِی وَ لَمْ یَجْعَلْنِی جَبَّاراً
صفحۀ 168 من 268
.«4» شَقِیا
.«5» -162 أَ لَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّیاطِینَ عَلَی الْکافِرِینَ تَؤُزُّهُمْ أَ  زا
لا شکّ أن لیس المراد: ارسال الشیاطین للاضلال کارسال الانبیاء للهدایۀ. إذ لو کان کذلک لکانت الشیاطین رسل اللّه کالأنبیاء،
تعالی اللّه عن ذلک، و حاشاه من ربّ رءوف رحیم!!.
.«6» وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلی قَوْمِهِ :« إلی » و ذلک بدلیل أنّه متی ارید من الارسال هو معناه المعهود (البعث للتبشیر و الانذار) تعدي ب
أمّا قوله: فَما أَرْسَلْناكَ .« علی » و لم یأت متعدیا ب .«8» أو باللام: وَ أَرْسَلْناكَ لِلنَّاسِ رَسُولًا .«7» کَما أَرْسَلْنا فِیکُمْ رَسُولًا :« فی » أو ب
متعلقۀ بالوصف المتأخّر. « علی » ف ،«10» أو قوله: وَ ما أَرْسَلْناكَ عَلَیْهِمْ وَکِیلًا «9» عَلَیْهِمْ حَفِیظاً
فانه یخرج عن معناه الحقیقی، و یکون بمعنی مطلق التحریک و اثارة الاسباب المؤاتیۀ للشیء، ان « علی » أمّا إذا تعدّي الارسال ب
. طبیعیۀ کانت أم اصطناعیۀ. و لو مجازا و بالعنایۀ. و أکثر استعماله فی القرآن حینئذ یکون فی ( 1) مریم: 6
. 2) مریم: 13 )
. 3) مریم: 19 )
.32 - 4) مریم: 31 )
. 5) مریم: 83 )
. 6) هود: 25 )
. 7) البقرة: 151 )
. 8) النساء: 79 )
. 9) النساء: 80 )
. 10 ) الاسراء: 54 )
ص: 291
.«1» مواضع إرادة الشر و النقمۀ المردیۀ
فَأَرْسَلْنا عَلَیْهِمْ رِجْزاً مِنَ .«3» فَأَرْسَلْنا عَلَیْهِمْ رِیحاً صَرْصَ راً فِی أَیَّامٍ نَحِساتٍ .«2» قال تعالی: وَ فِی عادٍ إِذْ أَرْسَلْنا عَلَیْهِمُ الرِّیحَ الْعَقِیمَ
.«4» السَّماءِ
إلی غیرها من آیات. ،«6» وَ أَرْسَلَ عَلَیْهِمْ طَیْراً أَبابِیلَ .«5» فَأَرْسَلْنا عَلَیْهِمْ سَیْلَ الْعَرِمِ
عقوبۀ عاجلۀ وافتهم فی هذه الحیاة، اصطلحنا عنها بالخذلان، و حرمانهم عن ألطافه تعالی «7» و هکذا أَرْسَلْنَا الشَّیاطِینَ عَلَی الْکافِرِینَ
الخاصۀ بأهل الایمان.
جزاء متناسبا .«8» و معنی الآیۀ- علی ذلک- أنا خلّینا بین الشیاطین و بین الکافرین یضلونهم و یمنونهم و یهدونهم إلی سواء الجحیم
مع لجاجهم و اصرارهم علی منابذة الحق، و السعی فی إطفاء نور اللّه عن وجه الأرض.
هو توفیق و مزید عنایۀ و ألطاف. «9» -163 وَ یَزِیدُ اللَّهُ الَّذِینَ اهْتَدَوْا هُديً
سؤال و ابتهال إلی اللّه أن یمنحه عنایته و لطفه الخاصّ الذي اختص به عباده .«10» -164 قالَ رَبِّ اشْرَحْ لِی صَدْرِي وَ یَسِّرْ لِی أَمْرِي
المتقون المجاهدون فی سبیله، فما هو إلّا طلب توفیق منه تعالی، لا إلجاء و لا إکراه علی غیر مقدور. ( 1) اما قوله: وَ أَرْسَلْنَا السَّماءَ
.« مدارا » متعلقۀ ب « علی » عَلَیْهِمْ مِدْراراً- الانعام: 6 ف
. 2) الذاریات: 41 )
. 3) فصلت: 16 )
صفحۀ 169 من 268
. 4) الاعراف: 162 )
. 5) سبأ: 16 )
. 6) الفیل: 2 )
. 7) مریم: 83 )
8) قال القاضی: و المراد عندنا: انه تعالی خلی بینهم و بین الکافرین. مع قدرته علی المنع و الحیلولۀ من کلّ وجه. فقیل توسعا: انه )
أرسلهم. کما یقال- فیمن یمکنه ان یمنع کلبه من الاقدام علی الاضرار بالغیر اذا ترکه و ذاك-: انه ارسل کلبه علی الناس. و کما
.(487 - یقال- فی الملک اذا أمکنه ضبط جنده و کفهم عن الناس فلم یفعل-: أنه أرسلهم علی الناس: (المتشابهات ج 2 ص 486
. 9) مریم: 76 )
.26 - 10 ) طه: 25 )
ص: 292
« خلقته » لیکون بمعنی « خلقه » القراءة الصحیحۀ المعروفۀ هی بسکون اللام فی .«1» -165 قالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطی کُلَّ شَیْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدي
أي صورته و شکله و وجوده، مفعولا ثانیا لأعطی. فمعنی الآیۀ: ربّنا الذي أفاض علی الأشیاء وجوداتها أولا، ثمّ هداها إلی طرق
معایشها. و هی هدایۀ تکوینیۀ جعلت فی جبلۀ الأشیاء- حسبما تقدم.
.« ثمّ هدي » و المقصود من الاشیاء- هنا- هی الموجودات العینیۀ بقرینۀ
للأفعال الاختیاریۀ، کما زعمه الأشعري ضاربا علی وتره. « کل شیء » الأمر الذي یتنافی و شمول
طال ما تشبّث الأشعري بهذه الآیۀ لنفی لزوم الحکمۀ فیما یفعله تعالی، زاعما دلالتها علی .«2» -166 لا یُسْئَلُ عَمَّا یَفْعَلُ وَ هُمْ یُسْئَلُونَ
عدم مسئولیته تعالی تجاه أفعاله، ان حسنا و ان قبیحا إذ لا حسن و لا قبح ذاتیین، و انما هما بالوجوه و الاعتبارات.
و الجواب: انّه قد ثبت بالبرهان القاطع و بالضرورة من الدین، أنّه تعالی «3» قال: القبیح منه تعالی حسن، و إنّما یقبح اذا کان من غیره
حکیم لا یفعل عبثا و لا یخلق ما لا فائدة وراءه و لا غرض فی الایجاد: وَ ما خَلَقْنَا السَّماءَ وَ الْأَرْضَ وَ ما بَیْنَهُما لاعِبِینَ. لَوْ أَرَدْنا أَنْ نَتَّخِذَ
.«4» لَهْواً لَاتَّخَذْناهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ کُنَّا فاعِلِینَ. بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَی الْباطِلِ فَیَدْمَغُهُ فَإِذا هُوَ زاهِقٌ، وَ لَکُمُ الْوَیْلُ مِمَّا تَصِفُونَ
اذن فانّما لا یسأل تعالی عمّا یفعل، للقطع بأنّ جمیع ما یفعله صواب و کان وفق الحکمۀ و المصلحۀ الداعیۀ إلی الایجاد، فکلّ ما یفعله
تعالی حسن بلا ریب.
و إنّما یسأل عن السبب الداعی، إذا کان الفاعل ممّن یصدر عنه قبیح إلی جنب اعماله الحسنۀ. الأمر الذي لا یحتمله أفعال الحکیم
. علی الاطلاق. ( 1) طه: 50
. 2) الانبیاء: 23 )
. 117 . نذکره فی الملحق رقم 2 ص 464 - 3) راجع کلامه فی اللّمع ص 116 )
.18 - 4) الانبیاء: 16 )
ص: 293
لکنها عزة مشفوعۀ بالحکمۀ و العدل، و من ثمّ .«1» و هذه الآیۀ الکریمۀ کنایۀ عن کمال عزّته تعالی یَفْعَلُ ما یَشاءُ و یَحْکُمُ ما یُرِیدُ
فهو تعالی عزیز حکیم. عزیز لا یغلب علی أمره و لا یعجز عن تنفیذ ارادته. حکیم لا یفعل إلّا الصواب و لا یحکم إلّا بالحق و لا یهدي
إلّا إلی سواء الطریق.
قال أهل العدل: لمّا کان تعالی عالما بقبح القبائح، و کان غنیا عن فعل القبیح اطلاقا، استحال أن یقع منه قبیح. فقد عرفنا- إجمالا-
بأنّ کلّ ما یفعله تعالی حکمۀ و صواب. و بعد هذا العلم لا موضع للسؤال الکاشف عن جهل فی نفس السائل. اللهم إلّا عن تفاصیل
صفحۀ 170 من 268
یرید أن یعرفها فی ذات المسئول عنه.
.«؟ لم فعلت کذا » : و قال المفسّرون: السؤال عن الفعل هو قولنا لفاعله
و هو سؤال عن جهۀ المصلحۀ فی الفعل إذا کانت مجهولۀ للسائل. أمّا الفعل المعلوم مقارنته مع المصلحۀ، فلا مؤاخذة علیه عند
العقلاء. و اللّه تعالی لمّا کان حکیما علی الاطلاق- کما وصف به نفسه فی مواضع من کلامه- و الحکیم هو الذي لا یفعل فعلا إلّا
لمصلحۀ مرجحۀ، لم یکن موضع للسؤال عن فعله، و هذا علی خلاف غیر الحکیم، الذي یحتمل بشأنه العبث و الصواب و الصلاح و
الفساد، فجاز فی حقه أن یسأل عما یفعله لیؤاخذ علی عمله ان ذما أو عقابا اذا لم یکن مقرونا بمصلحۀ.
سئل: کیف لا یسأل عمّا یفعل؟ فقال لأنّه لا یفعل » ( عن الامام محمد بن علی الباقر (علیه السلام « التوحید » و روي الصدوق فی کتاب
.«2» « إلّا ما کان حکمۀ و صوابا
قال الزمخشري: اذا کانت عادة الملوك الجبابرة أن لا یسأل عن أفعالهم تهیبا لجانبهم و إجلالا لعزّتهم، مع جواز الخطأ و الزلل علیهم،
کان ملک الملوك ( 1) الجملۀ الاولی مقتبسۀ من قوله تعالی: کَذلِکَ اللَّهُ یَفْعَلُ ما یَشاءُ- آل عمران: 40 و الثانیۀ من قوله تعالی: إِنَّ
. اللَّهَ یَحْکُمُ ما یُرِیدُ- المائدة: 1
. 2) تفسیر الصافی للحکیم الفیض: ج 2 ص 88 )
ص: 294
و ربّ الأرباب أولی بأن لا یسأل عن أفعاله، مع ما علم و استقرّ فی العقول أنّ ما یفعله تعالی کلّه مقرون بدواعی الحکمۀ، لا یجوز
.«1» علیه خطأ و لا فعل قبیح
قال .« لا یجوز علیه الخطأ و لا فعل القبائح » و من الغریب جدا ما کتبه الشیخ محمد علیان المرزوقی تعلیقا علی کلام الزمخشري أخیرا
الشیخ علیان:
.« هذا عند المعتزلۀ: أمّا عند أهل السنۀ- یعنی الأشاعرة- فهو- تعالی- الفاعل للخیر و الشر، کما بین فی علم التوحید »
قلت: فض اللّه تلکم الأفواه التی تستطیع التفوّه بهکذا کلام قبیح تشویها لساحۀ قدسه تعالی عما یقول الظالمون علوا کبیرا. إِنَّکُمْ-
و أخیرا وَ لَکُ مُ الْوَیْلُ مِمَّا .«3» !؟ أَمْ تَقُولُونَ عَلَی اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ .«2» أیتها الأشاعرة الفئۀ الفاقدة لشعورها- لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِیماً
.«4» تَصِفُونَ
قالوا: و هذا دلیل علی أنّ کلا من الخیر و الشر من فعله تعالی. .«5» -167 وَ نَبْلُوکُمْ بِالشَّرِّ وَ الْخَیْرِ فِتْنَۀً
قلنا: الخیر و الشر- هنا- هما: الرخاء و الجدب، و الرفاه و الضیق. یعتوران حیاة الامم ابتلاء لهم، و اختبارا لمبلغ ثباتهم أمام البلایا و
المحن، أم کانوا یعبدون اللّه علی حرف، فان أصابهم خیر اطمأنوا به، و إن أصابتهم فتنۀ انقلبوا علی وجههم؟!.
.«6» و نظیر الآیۀ قوله تعالی: وَ بَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ وَ السَّیِّئاتِ لَعَلَّهُمْ یَرْجِعُونَ
أي اختبرناهم بالرفاه و التوسعۀ تارة، و بالضیق و التشدید اخري. کقوله تعالی:
.«7» وَ أَنَّهُ هُوَ أَضْحَکَ وَ أَبْکی
بالبلایا ( 1) تفسیر الکشاف: ج 3 ص 110 ط بیروت. :« بالشر و الخیر » نختبرکم :« و نبلوکم » : و من ثمّ قال المفسرون
. 2) الاسراء: 40 )
. 3) البقرة: 80 )
. 4) الانبیاء: 18 )
. 5) الانبیاء: 35 )
. 6) الاعراف: 168 )
صفحۀ 171 من 268
. 7) النجم: 43 )
ص: 295
فنجازیکم حسبما أبدیتم من ثبات أو انهیار. « و الینا ترجعون » ابتلاء و امتحانا :« فتنۀ » و النعم
أي وجدناهم علی استعداد من مناشئ الصلاح فزدناهم هدي و شملتهم عنایتنا بالتوفیق و التسدید إلی .«1» -168 وَ کُلا جَعَلْنا صالِحِینَ
الصواب و الصلاح طول الحیاة.
لا یدلّ علی أن کلّ صلاح من أفعال العباد فانما هو فعله تعالی. و ذلک لأنّ الاصلاح .«2» -169 وَ وَهَبْنا لَهُ یَحْیی وَ أَصْلَحْنا لَهُ زَوْجَهُ
کما فی تفسیر القمی ج 2 ص 75 - أو -«3» فی الآیۀ لا یرجع إلی فعلها بالذات، و انما هو اصلاح جسمها، کانت لا تحیض فحاضت
اصلاح شأنها عن الغیّ و الفساد، توفیقا و تسدیدا، لا بالاکراه و الالجاء.
أي و ما تعبدونه من أصنام و أوثان ابتدعتموها. و هذا لا یشمل من عبدوه من .«4» -170 إِنَّکُمْ وَ ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ
الموصولۀ الخاصۀ بغیر ذوي العقول. « ما » الانبیاء و الملائکۀ، نظرا لمکان
.«5» علی أنّه لو کانت للشمول فیخصصها قوله فیما بعد: إِنَّ الَّذِینَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنی أُولئِکَ عَنْها مُبْعَدُونَ
.«6» -171 إِنَّ اللَّهَ یَفْعَلُ ما یُرِیدُ
.«7» -172 وَ أَنَّ اللَّهَ یَهْدِي مَنْ یُرِیدُ
.«8» -173 إِنَّ اللَّهَ یَفْعَلُ ما یَشاءُ
کلها نظائر، و قد سبق برقم 166 : أنه تعالی لا یرید إلّا ما یتوافق مع حکمته و عدله. و لا یهدي بتوفیقه و تسدیده سوي من أناب الیه و
. سعی فی لقاء وجهه الکریم. ( 1) الانبیاء: 72
. 2) الانبیاء: 90 )
. 3) أي کانت عقیما فأصبحت ولودا. مجمع البیان: ج 7 ص 61 )
. 4) الانبیاء: 98 )
. 5) الانبیاء: 101 )
. 6) الحج: 14 )
. 7) الحج: 16 )
. 8) الحج: 18 )
ص: 296
و قد تعلّقت الأشاعرة بأمثال هذه الآیات تدلیلا علی أنّه تعالی هو الفاعل لأفعال العباد إذ لا یقع فعل إلّا إذا أراده اللّه! و اجاب المعتزلۀ
بانه تعالی- وفق هذه الآیات- یفعل ما یرید هو، و لا دلالۀ فیها علی أنّه یفعل ما یرید غیره! قلنا: إنّه تعالی بالنسبۀ إلی أفعال نفسه هو
الفاعل لها بلا کلام. و أمّا بالنسبۀ إلی أفعال غیره، فانه تعالی یأذن لها و یوجدها بإرادته الحادثۀ أثر إرادة العباد، وفق سنّته التی جرت
فی الخلق، فهی أیضا من فعله تعالی لکن بهذا المعنی التبعی، الأمر الذي یصحح نسبتها إلی فاعلیها و إلی اللّه جمیعا، حسبما تقدّم
(ص 177 ) تحقیقه.
أي بیّنّا کیفیۀ تعبدهم. و لا دلالۀ لها علی أنّه تعالی هو خالق العبادة. و هذا نظیر قوله- فیما بعد-: وَ .«1» -174 وَ لِکُلِّ أُمَّۀٍ جَعَلْنا مَنْسَکاً
أي نحن فرضناها و بیناها لکم. «2» الْبُدْنَ جَعَلْناها لَکُمْ مِنْ شَعائِرِ اللَّهِ
و من ثمّ فإنّ الآیۀ بنفس التعبیر جاءت فی موضع آخر مع زیادة هی ضاربۀ علی ایدي المتطاولین لتحریف الکلم: لِکُ لِّ أُمَّۀٍ جَعَلْنا
.«3» مَنْسَکاً هُمْ ناسِکُوهُ
صفحۀ 172 من 268
لا یدلّ علی أنّه بالمباشرة و الالجاء. و انما هو بتمهید مقدّماته من تشریع و ترغیب و .«4» -175 وَ لَوْ لا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْ َ ض هُمْ بِبَعْضٍ
أخیرا توفیق و تسدید لمن یرید اللّه غلبه، و خذلان المغلوب و حرمانه عن ألطافه الکریمۀ.
و هکذا انتصر المؤمنون علی الکافرین بفضله تعالی و منّه.
ابتهال إلی اللّه أن یمنّ علیه بألطافه الخاصّ ۀ و یسدّد خطاه إلی الصواب أبدا. و هذا .«5» -176 رَبِّ فَلا تَجْعَلْنِی فِی الْقَوْمِ الظَّالِمِینَ
. طلب توفیق لا الجاء فیه البتۀ. ( 1) الحج: 34
. 2) الحج: 36 )
. 3) الحج: 67 )
. 4) الحج: 40 )
. 5) المؤمنون: 94 )
ص: 297
هذا خذلان و استدراج، عقوبۀ عاجلۀ و مماثلۀ مع ذلک .«1» -177 وَ لکِنْ مَتَّعْتَهُمْ وَ آباءَهُمْ حَ تَّی نَسُوا الذِّکْرَ وَ کانُوا قَوْماً بُوراً
الاستکبار و اللجاج مع الحق.
هذه الآیۀ تسلیۀ للنبیّ (صلّی اللّه علیه و آله و .«2» -178 وَ کَ ذلِکَ جَعَلْنا لِکُلِّ نَبِیٍّ عَدُ  وا مِنَ الْمُجْرِمِینَ وَ کَفی بِرَبِّکَ هادِیاً وَ نَصِ یراً
سلّم) إذ لم یکن بدعا من الرسل، فکما له أعداء ینابذونه و یسدّون فی وجهه طرق الدعوة إلی اللّه، کذلک کان للأنبیاء السلف
أعداء. و هذا إخبار عن واقعیۀ مرة یجابهما کلّ قائم باصلاح.
أمّا نسبۀ ذلک إلی اللّه- جلّ شأنه- فهی مجاز، باعتبار أنّه تعالی ختم علی قلوبهم و أخزاهم و خذلهم و ربّما أملی لهم لیزدادوا إثما،
فعتوا و استکبروا استکبارا جزاء متناسبا مع ذلک العناد المستمرّ مع الحقّ و الطغیان العارم.
و لو کان ذلک علی حقیقته لم یحسن توجیه اللائمۀ الیهم بالذات.
أي کان نزول القرآن تدریجیا أثبت لموقفک و اطمئنان قلبک، حیث تواصل ذلک .«3» -179 کَذلِکَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ وَ رَتَّلْناهُ تَرْتِیلًا
الارتباط مع المبدأ الأعلی، فلا تزال تتّصل بعالم الغیب بین أونۀ و اخري، فیزید من قوي عزمک و یؤکّ د نشاطک فی دعوتک إلی
الاصطلاح. انّه شعور مستمرّ بالحجۀ البالغۀ کلما فتحوا له بابا من الجدل أو اعترضوا له اعتراضا.
و هذا- أیضا- من توفیقه تعالی و تأییده لنبیّه الکریم (صلّی اللّه علیه و آله).
و لیس فیه من الالجاء علی الایمان شیء، کما زعمه الأشعري و أذنابه.
.«4» -180 أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَکْثَرَهُمْ یَسْمَعُونَ أَوْ یَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا کَالْأَنْعامِ، بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِیلًا
. استدلّ الأشعري بهذه الآیۀ و نظائرها علی نفی استطاعۀ العباد علی الکفر و الایمان. ( 1) الفرقان: 18
. 2) الفرقان: 31 )
. 3) الفرقان: 32 )
. 4) الفرقان: 44 )
ص: 298
قلنا: إذن کانت الآیۀ اعذارا لهم، فی حین أنّها استنکار و توبیخ صریح.
و لا استنکار علی غیر المقدور کما لا مؤاخذة و لا عقاب.
إِنَّکَ لا تُسْمِعُ .«1» انهم قد أماتوا قلوبهم باعراضهم عن ذکر اللّه، و اصرارهم علی الخطایا و الآثام: حَتَّی نَسُوا الذِّکْرَ وَ کانُوا قَوْماً بُوراً
.«3» و قد تقدّم الکلام فی نظائر الآیۀ .«2» الْمَوْتی وَ لا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِینَ
صفحۀ 173 من 268
مسألۀ و ابتهال إلی اللّه أن یمنح بلطفه الخاصّ و توفیقه فی تمهید السبل نحو المطلوب الحقّ، حسبما .«4» -181 وَ اجْعَلْنا لِلْمُتَّقِینَ إِماماً
. تقدم نظیر الآیۀ برقم: 11
وَ أَنْ لَوِ اسْتَقامُوا .«6» عنایۀ خاصّۀ بعباده المؤمنین حقا، وَ الَّذِینَ اهْتَدَوْا زادَهُمْ هُديً وَ آتاهُمْ تَقْواهُمْ .«5» -182 فَوَهَبَ لِی رَبِّی حُکْماً
.«7» عَلَی الطَّرِیقَۀِ لَأَسْقَیْناهُمْ ماءً غَدَقاً
أي ترکنا فرعون و ملأه یقتربون من الغرق و الهلاك، حیث صمودهم علی منابذة الحق و الرشاد. فقد «8» -183 وَ أَزْلَفْنا ثَمَّ الْآخَرِینَ
اخزاهم اللّه و خذلهم فأسرعوا إلی عقاب عاجل و ألقوا بأیدیهم إلی التهلکۀ.
هدایۀ تشریعیّۀ عامّۀ. «9» -184 الَّذِي خَلَقَنِی فَهُوَ یَهْدِینِ
. 1) الفرقان: 18 ) . تقدّم الکلام فی نظیرتها برقم: 181 .«10» -185 رَبِّ هَبْ لِی حُکْماً وَ أَلْحِقْنِی بِالصَّالِحِینَ
. 2) النمل: 80 )
3) راجع صفحۀ: 214 و 216 و 225 و 226 و 233 و غیرها. )
. 4) الفرقان: 74 )
. 5) الشعراء: 21 )
. 6) محمد: 17 )
. 7) الجن: 16 )
. 8) الشعراء: 64 )
. 9) الشعراء: 78 )
. 10 ) الشعراء: 83 )
ص: 299
.«1» -186 کَذلِکَ سَلَکْناهُ فِی قُلُوبِ الْمُجْرِمِینَ. لا یُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّی یَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِیمَ
کذلک » : أي إنّ هذا القرآن قد أخذ طریقه إلی قلوب المجرمین أیضا فسمعوه و وعوه، و إن کان قد عارضوه و لم یؤمنوا به، فقوله
أي علی انحراف قلوبهم و اعوجاج مسالکها و مع علمنا بأنّهم لا یؤمنون به، و لکن اتماما للحجّ ۀ علیهم جعلنا من نفوذ القرآن « سلکناه
.«2» ما یقهر کلّ الحواجز و لا یحول دون اشراق أنواره أي مانع، لطفا بالناس لِئَلَّا یَکُونَ لِلنَّاسِ عَلَی اللَّهِ حُجَّۀٌ بَعْدَ الرُّسُلِ
تشیر إلی المعلوم من حال المجرم أنّه صمود علی عناده و رفض « کذلک » یعود إلی القرآن. و الکنایۀ فی « سلکناه » و علیه فالضمیر فی
الحق.
و ربّما اعاد بعضهم الضمیر إلی نفس التکذیب، و الکنایۀ ترجع إلی هیئۀ عدم الایمان بالقرآن، فعلی هذه الهیئۀ نظمناه فی قلوب
المجرمین و أجریناه، فهو لا یجري فیها الا مکذبا به، و یظل علی هیئته هذه حتی یروا العذاب الألیم.
.«3» و بهذا الوجه تمسّک الأشعري لاسناد کفر الکافر إلی اللّه سبحانه فلا یستطیع الاهتداء إلی الاسلام وَ مَنْ یُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ
الذي استوجبوه « الخذلان » و قد تقدّم الجواب عن أمثال هذه التشبثات المنحرفۀ، حیث هذه التعابیر فی الآیات الکریمۀ لا تعدو مسألۀ
.«4» علی أنفسهم بسبب اصرارهم علی رفض الحقّ و الاطاحۀ بحظّهم إلی المهوي السحیق
یحتمل التفسیرین، و الاجابۀ علی الوجه الثانی هی ،«5» -187 و هکذا قوله تعالی: کَ ذلِکَ نَسْلُکُهُ فِی قُلُوبِ الْمُجْرِمِینَ. لا یُؤْمِنُونَ بِهِ
.201 - الاجابۀ فی الآیۀ المتقدمۀ. ( 1) الشعراء: 200
. 2) النساء: 165 )
. 3) الزمر: 23 )
صفحۀ 174 من 268
224 و غیرها. - 214 و 223 - 4) راجع صفحۀ: 213 )
.13 - 5) الحجر: 12 )
ص: 300
.«1» -188 وَ ما تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّیاطِینُ. وَ ما یَنْبَغِی لَهُمْ وَ ما یَسْتَطِیعُونَ. إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ
أرجع الأشعري ضمیر المجمع إلی المجرمین تدلیلا علی عدم استطاعتهم علی قبول الحق.
لکنه تحریف فظیع بکلامه تعالی، حیث یعود الضمیر إلی الشیاطین، و انهم لا یستطیعون التنزل بالقرآن، و انما نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِینُ.
.«2» عَلی قَلْبِکَ لِتَکُونَ مِنَ الْمُنْذِرِینَ. بِلِسانٍ عَرَبِیٍّ مُبِینٍ
کانت العرب تزعم أنّ محمّدا (صلّی اللّه علیه و آله و سلّم) کاهن، و أن ما یتنزّل علیه هو من جنس ما یتنزّل به الشیاطین علی الکهنۀ،
212 ) من سورة الشعراء، تفنیدا لهذه المزعومۀ. - فنزلت الآیات ( 192
أي لیس من « و ما ینبغی لهم » - نافیۀ « ما » - قال تعالی: وَ إِنَّهُ لَتَنْزِیلُ رَبِّ الْعالَمِینَ. نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِینُ إلی قوله: وَ ما تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّیاطِینُ
أي هم أعجز عن القیام بهذه المهمۀ الملکوتیۀ. « و ما یستطیعون » شأنهم ذلک
أي مرجومون بالشهب و القذائف لا یَسَّمَّعُونَ إِلَی الْمَلَإِ « لمعزولون » أي عن الاستماع إلی الملإ الأعلی « عن السمع » أي الشیاطین « إنّهم »
.«3» الْأَعْلی وَ یُقْذَفُونَ مِنْ کُلِّ جانِبٍ
لا علی مثل محمّد الصادق «4» ثمّ قال تعالی- تأکیدا لرد المزعومۀ-: هَلْ أُنَبِّئُکُمْ عَلی مَنْ تَنَزَّلُ الشَّیاطِینُ تَنَزَّلُ عَلی کُلِّ أَفَّاكٍ أَثِیمٍ
الأمین! إنّ الطیور علی أشکالها تقع.
.«5» -189 إِنَّ الَّذِینَ لا یُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَیَّنَّا لَهُمْ أَعْمالَهُمْ
.212 - و أنّ المراد: أن أنفسهم هی التی زینّتها لهم، ( 1) الشعراء: 210 «6» تقدّم الکلام فی نظیر الآیۀ
.195 - 2) الشعراء: 193 )
. 3) الصافات: 8 )
.222 - 4) الشعراء: 221 )
. 5) النمل: 4 )
. 216 برقم: 5 - 6) و هی الآیۀ 108 من سورة الانعام برقم 54 ص 229 . و راجع- أیضا- الصفحۀ 215 )
ص: 301
و زینها لهم الشیطان. فقد أخزاهم اللّه و خذلهم مغبۀ صمودهم علی نکران الحق و نسیان الآخرة. أَ فَمَنْ زُیِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً،
.«1» فَإِنَّ اللَّهَ یُضِلُّ مَنْ یَشاءُ وَ یَهْدِي مَنْ یَشاءُ، فَلا تَذْهَبْ نَفْسُکَ عَلَیْهِمْ حَسَراتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِیمٌ بِما یَصْنَعُونَ
لا یدلّ علی الالجاء بحیث خرج الاهتداء إلی سبیل الحق ،«2» -190 وَ زَیَّنَ لَهُمُ الشَّیْطانُ أَعْمالَهُمْ فَ َ ص دَّهُمْ عَنِ السَّبِیلِ فَهُمْ لا یَهْتَدُونَ
و لیس سوي وساوس و دعوة إلی الفساد. إِنَّهُ لَیْسَ لَهُ سُلْطانٌ عَلَی الَّذِینَ ،«3» عن استطاعتهم. إذ لا سلطان للشیطان إلّا علی الغاوین
.«4» آمَنُوا وَ عَلی رَبِّهِمْ یَتَوَکَّلُونَ. إِنَّما سُلْطانُهُ عَلَی الَّذِینَ یَتَوَلَّوْنَهُ وَ الَّذِینَ هُمْ بِهِ مُشْرِکُونَ
وَ قالَ الشَّیْطانُ لَمَّا قُضِ یَ الْأَمْرُ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَکُمْ وَعْدَ الْحَ قِّ وَ وَعَدْتُکُمْ فَأَخْلَفْتُکُمْ وَ ما کانَ لِی عَلَیْکُمْ مِنْ سُلْطانٍ، إِلَّا أَنْ دَعَوْتُکُمْ
فَاسْتَجَبْتُمْ لِی فَلا تَلُومُونِی وَ لُومُوا أَنْفُسَ کُمْ ما أَنَا بِمُصْ رِخِکُمْ وَ ما أَنْتُمْ بِمُصْرِخِیَّ إِنِّی کَفَرْتُ بِما أَشْرَکْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ، إِنَّ الظَّالِمِینَ لَهُمْ
.«5» عَذابٌ أَلِیمٌ
تآمر قوم صالح علی أن یبیتوه و أهله و یقتلوهم عن آخرهم، ثمّ یقولوا لولیه: .«6» -191 وَ مَکَرُوا مَکْراً وَ مَکَرْنا مَکْراً وَ هُمْ لا یَشْعُرُونَ
فَأَرادُوا بِهِ کَیْداً فَجَعَلْناهُمُ «8» لکنهم قبل أن ینفذوها قد أخذتهم الرجفۀ فأصبحوا فی دارهم جاثمین !«7» ما شهدنا مهلک أهله
صفحۀ 175 من 268
و علیه فکان قوله تعالی: وَ مَکَرْنا مَکْراً من باب «10» فَانْظُرْ کَیْفَ کانَ عاقِبَۀُ مَکْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْناهُمْ وَ قَوْمَهُمْ أَجْمَعِینَ .«9» الْأَسْفَلِینَ
. التشاکل فی التعبیر، علی ( 1) فاطر: 8
. 2) النمل: 24 )
. 3) الحجر: 42 )
.100 - 4) النحل: 99 )
. 5) إبراهیم: 22 )
. 6) النمل: 50 )
.( 7) من الآیۀ قبلها ( 49 )
8) من الآیۀ 78 من سورة الاعراف. )
. 9) الصافات: 98 )
. 10 ) النمل: 51 )
ص: 302
.«1» سبیل الاستعارة. کما فی قوله: تَعْلَمُ ما فِی نَفْسِی وَ لا أَعْلَمُ ما فِی نَفْسِکَ
أنه کنایۀ عن تلکم القسوة و الجفاء التی انطوت علیها قلوبهم «3» قد تقدّم .«2» -192 إِنَّکَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتی وَ لا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ
فلا یعدو مثل التعبیر استعارة و تشبیها، و إلّا کان اعذارا لهم لا توبیخا و استنکارا! .« إذا ولّوا مدبرین » : القاسیۀ. و من ثمّ عقبها بقوله
.«4» -193 و هکذا الآیۀ بعدها: وَ ما أَنْتَ بِهادِ الْعُمْیِ عَنْ ضَلالَتِهِمْ، إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ یُؤْمِنُ بِآیاتِنا فَهُمْ مُسْلِمُونَ
انه عمی القلب حجز دون رسوخ الوعظ فیه، و انما تؤثّر دعوة النبیّ (صلّی اللّه علیه و آله) فی من لان قلبه و استسلم لقیادة الناصحین.
إنّ امثال هذه التعابیر تسلیۀ للنبیّ (صلّی اللّه علیه و آله) و رفع لمسئولیته عن التأثیر و الاتعاظ. و اخبار عن واقعیۀ مرة کان أرباب
الجحود و الطغیان قد مهّدوا هم من أسبابها و عملوا فی تکوینها، بما أعرضوا عن ذکر اللّه و نسوا لقاء ربّهم.
تعبیر کنائی عن توفیقه تعالی و عنایته الخاصّۀ بعباده المؤمنین المتوکّلین علیه. کما فی قوله تعالی- «5» -194 لَوْ لا أَنْ رَبَطْنا عَلی قَلْبِها
بشأن أصحاب الکهف لم یهابوا سطوة ملکهم الجبار-: إِنَّهُمْ فِتْیَۀٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَ زِدْناهُمْ هُديً. وَ رَبَطْنا عَلی قُلُوبِهِمْ إِذْ قامُوا فَقالُوا رَبُّنا
.«6» رَبُّ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ لَنْ نَدْعُوَا مِنْ دُونِهِ إِلهاً لَقَدْ قُلْنا إِذاً شَطَطاً
و هکذا قويّ من عزائم امّ موسی و منحها عنایته صبرا و ثباتا فی موقفها ذلک الحرج، فألقت بولدها و فلذة کبدها فی البحر متوکلۀ
. علی اللّه. ( 1) المائدة: 116
. 2) النمل: 80 )
. 3) برقم: 180 الآیۀ 44 من سورة الفرقان ص 297 )
. 4) النمل: 81 )
. 5) القصص: 10 )
.14 - 6) الکهف: 13 )
ص: 303
و علیه فلم یکن الربط علی القلوب سوي تعبیر مجازي عن تلک الثقۀ و الایمان الراسخ باللّه العظیم.
لیس ظاهر التعبیر مقصودا قطعا، و انما هو کنایۀ عن خذلانه تعالی لهم، فترکهم یهرعون .«1» -195 فَأَخَذْناهُ وَ جُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِی الْیَمِّ
إلی مهاوي الهلکۀ بسوء اختیارهم و لجاجهم فی رفض الحقّ و الهدي.
صفحۀ 176 من 268
أي بسبب مرودهم علی الطغیان ترکناهم و ضلالتهم فأصبحوا دعاة إلی الجحیم. و هذا هو .«2» -196 وَ جَعَلْناهُمْ أَئِمَّۀً یَدْعُونَ إِلَی النَّارِ
أي خلّینا بینهم و بین الکافرین. و «3» وجه النسبۀ إلیه تعالی. کما مرّ نظیره فی قوله تعالی: أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّیاطِینَ عَلَی الْکافِرِینَ تَؤُزُّهُمْ أَ  زا
إلّا لو کان علی حقیقته کان ذلک إعذارا لهم، و لم تتوجّه الیهم لائمۀ و لا استنکار.
أي الهدایۀ المؤثرة النافذة. و هی لیست من فعله (صلّی اللّه علیه و .«4» -197 إِنَّکَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَ لکِنَّ اللَّهَ یَهْدِي مَنْ یَشاءُ
آله) لأنّ الذي علیه هو البلاغ، لیس علیهم بمسیطر انما هو منذر. لکنه تعالی یهدي بتوفیقه و عنایته الخاصۀ من یشاء من عباده الذین
.«5» سعوا فی لقاءه الکریم. و قد تقدّم الکلام فی أمثال الآیۀ فی عدة مواضع
و أنّه تعالی لا یختار إلّا ما فیه حکمۀ و صلاح. .«7» تقدم تفصیل الکلام فی نظائره .«6» -198 وَ رَبُّکَ یَخْلُقُ ما یَشاءُ وَ یَخْتارُ
قالوا: یدلّ علی أنّه تعالی حمل أمما علی الکفر و المعصیۀ. .«8» -199 وَ لَقَدْ فَتَنَّا الَّذِینَ مِنْ قَبْلِهِمْ
. قلنا: الفتنۀ هی الامتحان و الاختبار بالمحن و المصائب و الآلام. و من ثمّ ( 1) القصص: 40
. 2) القصص: 41 )
. 3) مریم: 83 )
. 4) القصص: 56 )
. 5) انظر الآیۀ 272 من سورة البقرة برقم: 16 ص 219 )
. 6) القصص: 68 )
. 173 ص 295 - 7) انظر الآیۀ 14 و 16 و 18 من سورة الحج برقم: 171 )
. 8) العنکبوت: 3 )
ص: 304
ابتدأت السورة بقوله تعالی: الم. أَ حَسِبَ النَّاسُ أَنْ یُتْرَکُوا أَنْ یَقُولُوا آمَنَّا وَ هُمْ لا یُفْتَنُونَ ثمّ قال- دفعا لتوهم اختصاص هذه الامۀ
بذلک-: وَ لَقَدْ فَتَنَّا الَّذِینَ مِنْ قَبْلِهِمْ و تعقیبا علی ذلک بین وجه الحکمۀ: فَلَیَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِینَ صَ دَقُوا وَ لَیَعْلَمَنَّ الْکاذِبِینَ. و هذا اعلام
بما سیصیب هذه الامۀ من بلاء و امتحان.
و بالفعل قد تحقّق ذلک مدة بقاءهم فی مکۀ و بعد ما هاجروا إلی المدینۀ، علی ما جاء فی سورة براءة: أَ وَ لا یَرَوْنَ أَنَّهُمْ یُفْتَنُونَ فِی
.«1» کُلِّ عامٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَیْنِ
اختصاص بهدایته التی هی عنایۀ و مزید ألطاف یخص بها عباده المخلصین. أمّا هدایته .«2» -200 وَ الَّذِینَ جاهَدُوا فِینا لَنَهْدِیَنَّهُمْ سُبُلَنا
.«3» التی هی دلالۀ و ارشاد إلی معالم الحق و الطریقۀ الوسطی فهی عامۀ شاملۀ لجمیع المکلّفین علی ما سبق تحقیقه غیر مرة
تقدم أنّه اخبار عن واقعیۀ سوداء هم اکتسبوها بمرودهم علی الطغیان و .«4» -201 کَ ذلِکَ یَطْبَعُ اللَّهُ عَلی قُلُوبِ الَّذِینَ لا یَعْلَمُونَ
الاستکبار عن قبول الحق. و جاء التعبیر استعارة و مجازا عن تلک الحالۀ القاسیۀ التی انطوت علیها قلوبهم الجافۀ. و قد صرّح بهذا
فی حین أنّه تعالی ذکر فی کثیر .«5» التشبیه فی قوله تعالی: وَ إِذا تُتْلی عَلَیْهِ آیاتُنا وَلَّی مُسْتَکْبِراً، کَأَنْ لَمْ یَسْمَعْها، کَأَنَّ فِی أُذُنَیْهِ وَقْراً
من الآیات: أنهم لا یسمعون، و فی آذانهم وقر. فعلمنا أنّ جمیع ذلک من المجاز فی التعبیر، و سنبحث عن معنی الطبع و الختم و الوقر
.«6» و ما شاکل فی فصل قادم ان شاء اللّه. کما تقدّم وجه نسبۀ ذلک إلی اللّه
. أي هدایۀ تکوینیۀ بالالجاء ( 1) البراءة: 126 .«7» -202 وَ لَوْ شِئْنا لَآتَیْنا کُلَّ نَفْسٍ هُداها
. 2) العنکبوت: 69 )
3) راجع- بالخصوص-: مسألۀ الهدایۀ و التوفیق فی مراحلها الخمس ص 200 فما بعد. )
. 4) الروم: 59 )
صفحۀ 177 من 268
. 5) لقمان: 7 )
. 6) راجع الصفحۀ 214 )
. 7) السجدة: 13 )
ص: 305
. علی الهدي. الأمر الذي یتنافی مع دار التکلیف و الاختبار. و قد تقدّم ذلک ص 194 برقم: 27
أي .«1» -203 کما تقدّم هناك أیضا تأویل قوله تعالی- بعد ذلک-: وَ لکِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّی لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّۀِ وَ النَّاسِ أَجْمَعِینَ
حقّ القول منی أن لا اکره أحدا علی التکلیف و الطاعۀ، بل أدعهم مختارین فی الاطاعۀ و العصیان، تحقیقا لحکمۀ التکلیف الذي هو
الاختبار، و لا اختبار مع الالجاء.
.«2» الأمر الذي یؤول فی نهایۀ المطاف إلی دخول کثیر من الجنۀ و الناس النار بسوء اختیارهم و قبیح تصرفاتهم فی هذه الحیاة
هذا ابداء .«3» بدلیل الآیۀ قبلها: وَ لَوْ تَري إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناکِسُوا رُؤُسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ. رَبَّنا أَبْصَرْنا وَ سَمِعْنا فَارْجِعْنا نَعْمَلْ صالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ
مریر لغایۀ الندم علی ما فرطوا فی جنب اللّه. الأمر الذي یکشف بوضوح أنّه لم یکن الجاء علی کفر و لا اکراه علی عصیان، و لا أنه
تعالی خلق أحدا لیدخل جهنم. و انما یدخلها من استحقها بنفسه و اکتسبها بجهده و ألقی بیده إلی التهلکۀ.
صریحا فی القاء «4» و هکذا جاءت الآیۀ بعدها: فَذُوقُوا بِما نَسِیتُمْ لِقاءَ یَوْمِکُمْ هذا، إِنَّا نَسِیناکُمْ وَ ذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ بِما کُنْتُمْ تَعْمَلُونَ
تبعات الأمر علی عاتقهم فکانوا هم المسئولین عن موقفهم هذا الفظیع! 204 - إِنَّما یُرِیدُ اللَّهُ لِیُذْهِبَ عَنْکُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَیْتِ وَ
یعنی مزید عنایۀ و ألطاف، و هو تکریم خاص منحه اللّه لأهل بیت نبیه (صلّی اللّه علیهم) حیث استعدادهم لتلقی .«5» یُطَهِّرَکُمْ تَطْهِیراً
هذا الفیض القدوسی الجلیل.
الأمر الذي لا یرتبط و مسألۀ الجبر فی الهدایۀ کما یرومه الأشعري بالذات.
. و الکلام عن هذه الآیۀ الکریمۀ یستدعی استیفاء لا یسعه هذا المجال. ( 1) السجدة: 13
. 2) راجع الصفحۀ: 194 )
. 3) السجدة: 12 )
. 4) السجدة: 14 )
. 5) الاحزاب: 33 )
ص: 306
القضاء فیها بمعنی الحکم التشریعی من ایجاب .«1» -205 وَ ما کانَ لِمُؤْمِنٍ وَ لا مُؤْمِنَۀٍ إِذا قَضَی اللَّهُ وَ رَسُولُهُ أَمْراً أَنْ یَکُونَ لَهُمُ الْخِیَرَةُ
أو الزام تکلیف و نحو ذلک.
. تقدّم الکلام فی نظیرتها برقم: 14 ص 219 .«2» -206 لِیُخْرِجَکُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَی النُّورِ
أي قضاؤه المبرم فی التکوین الأمر الذي لا یمس مسألۀ الهدایۀ فی التشریع. .«3» -207 وَ کانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا
.«4» -208 و هکذا قوله: وَ کانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً
تقدّم الکلام عن نظائرها فی عدة مواضع. و أن المقصود: خذلان من یستحقّه، و .«5» -209 فَإِنَّ اللَّهَ یُضِلُّ مَنْ یَشاءُ وَ یَهْدِي مَنْ یَشاءُ
العنایۀ بشأن من یستأهله.
تقدّم الکلام فی نظائرها. و أنها نفی لمسئولیته .«6» -210 إِنَّ اللَّهَ یُسْمِعُ مَنْ یَشاءُ وَ ما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِی الْقُبُورِ، إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِیرٌ
(صلّی اللّه علیه و آله) عن قبول الدعوة، و انما علیه البلاغ. أمّا الذي أعرض عن ذکر ربه و نسی لقاء الآخرة و جعل علی بصره غشاء
لکنه تعالی یعلم، من الناس المحل الصالح، ممن استعدوا بأنفسهم .« انّک لا تسمع الموتی » التعمیۀ فلا یکاد یفقه فهو کمیّت فی القبر
صفحۀ 178 من 268
لتلقی فیوضاته القدسیۀ، فیضع فیهم حکمته و یفتح علیهم أبواب برکاته.
-211 إِنَّا جَعَلْنا فِی أَعْناقِهِمْ أَغْلالًا فَهِیَ إِلَی الْأَذْقانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ. وَ جَعَلْنا مِنْ بَیْنِ أَیْدِیهِمْ سَ  دا وَ مِنْ خَلْفِهِمْ سَ  دا. فَأَغْشَ یْناهُمْ فَهُمْ لا
. 1) الاحزاب: 36 ) .«7» یُبْصِرُونَ
. 2) الاحزاب: 43 )
. 3) الاحزاب: 37 )
. 4) الاحزاب: 38 )
. 5) فاطر: 8 )
.23 - 6) فاطر: 22 )
.9 - 7) یس: 8 )
ص: 307
هذا تشبیه لحالتهم التعنتیۀ تجاه الحق، بالمغلول الممنوع بالسد و الحجب، من حیث لم ینتفع بما سمع، و اعرض عن الاستدلال. و قد
.215 - تقدّم الکلام عن مثله برقم: 4 و 5 ص 214
.«1» -212 أَ فَمَنْ حَقَّ عَلَیْهِ کَلِمَۀُ الْعَذابِ. أَ فَأَنْتَ تُنْقِذُ مَنْ فِی النَّارِ
حق علیه کلمۀ العذاب، بسبب صموده تجاه قبول الحق و اصراره علی المعاصی و الآثام، فقد أحاطت به خطیئاته و قادته إلی الجحیم
حیث مثوي الظالمین. الأمر الذي حال دون تأثیر الدعوة فیه فلا یتعظ أبدا.
و هذا من تشبیه عاجله بآجله، و تیئیس للنبیّ (صلّی اللّه علیه و آله و سلّم) فلا تذهب نفسه الکریم علیهم حسرات.
تلک عنایۀ ربانیۀ و توفیق إلهی خاص، ینعم به اولئک الذین جاهدوا «2» -213 أَ فَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلی نُورٍ مِنْ رَبِّهِ
فی اللّه وسعوا فی لقاء وجهه الکریم.
.«3» -214 وَ مَنْ یُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ. وَ مَنْ یَهْدِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ مُضِلٍّ
ذاك خذلان و حرمان و هذا توفیق و تسدید، کلّ حسب استعداده و الصلاحیۀ التی اکتسبها لنفسه.
.190 - زینته له نفسه و صدته خطیئاته. و تقدم مثله برقم: 189 .«4» -215 وَ کَذلِکَ زُیِّنَ لِفِرْعَوْنَ سُوءُ عَمَلِهِ وَ صُدَّ عَنِ السَّبِیلِ
هذا تشبیه و تمثیل، و اخبار عن واقعیۀ «5» -216 وَ قالُوا قُلُوبُنا فِی أَکِنَّۀٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَیْهِ وَ فِی آذانِنا وَقْرٌ وَ مِنْ بَیْنِنا وَ بَیْنِکَ حِجابٌ
سوداء مظلمۀ اکتسبوها بما اقترفوه من خطایا و آثام، فجعلتهم صخرة صماء فی غایۀ قسوة و جفاء. و قد صرح بهذا التشبیه فی آیۀ
. اخري: ( 1) الزمر: 19
. 2) غافر: 37 )
. 3) الزمر: 22 )
.37 - 4) الزمر: 36 )
. 5) فصلت: 5 )
ص: 308
و تقدّم الکلام فی نظائرها. .«1» وَ إِذا تُتْلی عَلَیْهِ آیاتُنا وَلَّی مُسْتَکْبِراً کَأَنْ لَمْ یَسْمَعْها، کَأَنَّ فِی أُذُنَیْهِ وَقْراً
. و تقدمت هی بالذات فی صفحۀ 214
.«2» -217 وَ قَیَّضْنا لَهُمْ قُرَناءَ. فَزَیَّنُوا لَهُمْ ما بَیْنَ أَیْدِیهِمْ وَ ما خَلْفَهُمْ وَ حَقَّ عَلَیْهِمُ الْقَوْلُ
أي خلینا بینهم و بین أبالسۀ الجن، هذا خذلان مریر استوجبوه لأنفسهم بما اقترفوا من آثام و وقفوا فی وجه الحق و کافحوه.
صفحۀ 179 من 268
. و قد تقدّم الکلام فی نظائر الآیۀ من سورة مریم، آیۀ: 83 برقم: 162
. ص 290 و سورة النمل، آیۀ: 24 برقم: 190 ص 301
. تقدم الکلام فی نظیرتها برقم: 216 .«3» -218 وَ الَّذِینَ لا یُؤْمِنُونَ، فِی آذانِهِمْ وَقْرٌ، وَ هُوَ عَلَیْهِمْ عَمًی
هی مشیئۀ إلجاء لم یشأها اللّه بشأن هذه الحیاة التی هی دار تکلیف و اختبار. الأمر الذي لا .«4» -219 وَ لَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَهُمْ أُمَّۀً واحِدَةً
یتناسب مع سوي الاختیار.
قالوا: إنّه یدلّ علی ان لا حجۀ علی الذین کفروا، و انما هم معذورون علی الکفر و العصیان! قلنا: هذا .«5» -220 لا حُجَّۀَ بَیْنَنا وَ بَیْنَکُمُ
أمّا الحجّۀ المنفیۀ فی الآیۀ فقد فسرها .«6» باطل من ضرورة الدین، إذ الحجۀ تمت علی الکفار و العصاة جمیعا قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّۀُ الْبالِغَۀُ
مجاهد بالخصومۀ. لأنّها لازمها، ففسّر الشیء بلازمه.
و الصحیح أنّ المقصود: أن الحجۀ قد تمّت حیث ظهر الحق بیننا و بینکم.
. و لم یبق ما لا تعلمونه لنحتج به علیکم، سوي اللجاج و العناد، و من ثمّ فانّا ( 1) لقمان: 7
. 2) فصلت: 25 )
. 3) فصلت: 44 )
. 4) الشوري: 8 )
. 5) الشوري: 15 )
. 6) الانعام: 149 )
ص: 309
نکف عنکم الآن لنلتقی جمیعا علی صعید القیامۀ، فیحکم اللّه بیننا و بینکم.
و الآیۀ- بطولها- تدلّ علی هذا المعنی، قال تعالی: وَ قُلْ آمَنْتُ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ کِتابٍ. وَ أُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَیْنَکُمُ. اللَّهُ رَبُّنا وَ رَبُّکُمْ. لَنا
أَعْمالُنا وَ لَکُمْ أَعْمالُکُمْ. لا حُجَّۀَ بَیْنَنا وَ بَیْنَکُمُ. اللَّهُ یَجْمَعُ بَیْنَنا وَ إِلَیْهِ الْمَصِ یرُ. وَ الَّذِینَ یُحَاجُّونَ فِی اللَّهِ مِنْ بَعْدِ ما اسْتُجِیبَ لَهُ، حُجَّتُهُمْ
.«2» و من ثمّ قال أبو علی الطبرسی: الآیۀ غایۀ فی التهدید «1» داحِضَۀٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَ عَلَیْهِمْ غَضَبٌ وَ لَهُمْ عَذابٌ شَدِیدٌ
الخذلان- » أي من یخذله اللّه علی أثر معاندته مع الحقّ. و قد تقدّم ذلک فی مسألۀ «3» -221 وَ مَنْ یُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ وَلِیٍّ مِنْ بَعْدِهِ
.« ص 207
.«4» -222 وَ لکِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا. وَ إِنَّکَ لَتَهْدِي إِلی صِراطٍ مُسْتَقِیمٍ
الهدایۀ من اللّه- فی الآیۀ- هی التوفیق و المزید من ألطافه الخاصّۀ یختص بها المؤمنون من عباده الذین جاهدوا فی سبیل لقاء ربهم. و
أمّا التی یقوم بها النبیّ (صلّی اللّه علیه و آله و سلّم) فهی هدایۀ ارشاد و دلالۀ، تعمّ جمیع المکلفین، علی ما سبق تفصیله. راجع: مسألۀ
.« الهدایۀ و التوفیق- ص 200 »
و قد ضمت الأشاعرة أصواتها إلی أصوات المشرکین فی مزعومۀ الجبر فی التکلیف. .«5» -223 وَ قالُوا لَوْ شاءَ الرَّحْمنُ ما عَبَدْناهُمْ
. و قد تقدّمت الآیۀ برقم: 35 ص 166 .«6» لکنّه تعالی رد علیهم بقوله: ما لَهُمْ بِذلِکَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا یَخْرُصُونَ
.«7» -224 وَ مَنْ یَعْشُ عَنْ ذِکْرِ الرَّحْمنِ نُقَیِّضْ لَهُ شَیْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِینٌ
. قد تقدّم الکلام فی نظیر الآیۀ برقم: 162 ص 290
.16 - أیضا تقدّم الکلام ( 1) الشوري: 15 .«8» !؟ -225 أَ فَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ أَوْ تَهْدِي الْعُمْیَ
. 2) راجع: مجمع البیان ج 9 ص 25 )
. 3) الشوري: 44 )
صفحۀ 180 من 268
. 4) الشوري: 52 )
. 5) الزخرف: 20 )
. 6) الزخرف: 20 )
. 7) الزخرف: 36 )
. 8) الزخرف: 40 )
ص: 310
. فی نظائرها الکثیرة منها برقم: 197 ص 303
-226 و هکذا قوله: أَ فَرَأَیْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ وَ أَضَ لَّهُ اللَّهُ عَلی عِلْمٍ وَ خَتَمَ عَلی سَمْعِهِ وَ قَلْبِهِ وَ جَعَلَ عَلی بَ َ ص رِهِ غِشاوَةً. فَمَنْ یَهْدِیهِ
.«1» مِنْ بَعْدِ اللَّهِ
تقدّم الکلام فی الاضلال و الختم و الطبع و ما شاکل فی عدة مواضع.
لا یدلّ علی انه تعالی ارسلهم لیستمعوا، و انما لطف بهم و اعانهم بتمهید .«2» -227 وَ إِذْ صَرَفْنا إِلَیْکَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ یَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ
السبل لیحضروا هم باختیارهم عند النبیّ (صلّی اللّه علیه و آله) و یستمعوا القرآن.
-228 أُولئِکَ الَّذِینَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَ مَّهُمْ وَ أَعْمی أَبْصارَهُمْ انه خذلان استوجبوه علی أنفسهم بالذات، و من ثمّ کان التعقیب: أَ فَلا
بصورة استنکار و توبیخ! 229 - أَمْ حَسِبَ الَّذِینَ فِی قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ یُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغانَهُمْ «3» یَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلی قُلُوبٍ أَقْفالُها
.«4»
نزلت بشأن المنافقین، کانوا قد استسروا عداوة الرسول (صلّی اللّه علیه و آله) و تواطئوا علی الکنایۀ به. لکنّه تعالی فضحهم و أظهر ما
حاولوا کتمانه من نفاق و مراوغۀ خبیثۀ.
.«5» -230 وَ کَفَّ أَیْدِيَ النَّاسِ عَنْکُمْ
.«6» -231 وَ هُوَ الَّذِي کَفَّ أَیْدِیَهُمْ عَنْکُمْ وَ أَیْدِیَکُمْ عَنْهُمْ
أي مهد الاسباب التی یحصل معها الکفّ المذکور. فقد منع المسلمین من مقاتلۀ الکفار بالنهی و الزجر. و منع الکفار من منابذة
. المسلمین بالقاء الرعب فی قلوبهم، و هکذا. ( 1) الجاثیۀ: 23
. 2) الاحقاف: 29 )
.24 - 3) محمد: 23 )
. 4) محمد: 29 )
. 5) الفتح: 20 )
. 6) الفتح: 24 )
ص: 311
.«1» -232 وَ لکِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَیْکُمُ الْإِیمانَ وَ زَیَّنَهُ فِی قُلُوبِکُمْ، وَ کَرَّهَ إِلَیْکُمُ الْکُفْرَ وَ الْفُسُوقَ وَ الْعِصْیانَ
حبب الایمان بنصب الدلائل علی حسنه و صحّته، کما وعد الثواب علیه و الرضوان. و زینه بألطافه الخاصۀ و عنایاته الکریمۀ. و کرّه
الکفر بنصب الدلائل علی قبحه و بالنهی عنه و الوعید علیه.
و هذا عامّ بالنسبۀ إلی جمیع الناس، غیر أن الذین استجابوا لهذه الدعوة هم الذین وعت نفوسهم و انصاعوا لنداء الفطرة الاولی و بقی
المنحرفون یهیمون فی وادي الضلالۀ تائهین.
.«2» قال تعالی: بَلِ اللَّهُ یَمُنُّ عَلَیْکُمْ أَنْ هَداکُمْ لِلْإِیمانِ
صفحۀ 181 من 268
.«3» -233 وَ الَّذِینَ آمَنُوا وَ اتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّیَّتُهُمْ بِإِیمانٍ، أَلْحَقْنا بِهِمْ ذُرِّیَّتَهُمْ
قالوا: یدلّ علی أن الابن یصبح مؤمنا بایمان الأب. الأمر الذي یشف عن لا اختیاریۀ الایمان بعض الشیء.
قلنا: الآیۀ بصدد تعداد النعم التی یفیضها اللّه فی دار الآخرة علی المؤمنین.
فمنها: أنّ الاولاد سوف یهدون إلی آبائهم فی الجنۀ لتقرّ أعینهم. لکن بشرط أن یکون الأولاد قد تبعوا الآباء فی الایمان. أي یکونوا
مؤمنین کما کان آباؤهم مؤمنین. الأمر الذي لا یدلّ علی إلجاء أو خروج عن الاختیار.
نعم قد یکون عمل الآباء و حسن تصرّفاتهم من العوامل التی دعت إلی ایمان الاولاد، و هذا لا ضیر فیه، و من ثمّ فقد یعود ثواب
الأولاد إلی الآباء باعتبار کونهم السبب، و بهذا اللحاظ ربما صحّ اطلاق المتابعۀ، و اثابۀ الآباء بایمان الأولاد.
لکن من غیر أن ینقص من ثواب الأولاد شیء. کما لا ینقص من ثواب المؤمنین الذین استجابوا للّه و للرسول، مع أنّ الفضل فی
. ایمانهم یعود إلی الرسول، و هو الذي یثاب علی دعوتهم للایمان. و إلی هذا المعنی، و استدراکا لما قد یتوهم ( 1) الحجرات: 7
. 2) الحجرات: 17 )
. 3) الطور: 21 )
ص: 312
خلافه، یشیر قوله تعالی تعقیبا علی ذلک: وَ ما أَلَتْناهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَیْءٍ ثمّ قال- تأکیدا-: کُلُّ امْرِئٍ بِما کَسَبَ رَهِینٌ. فلا ینقص
من ثواب الابناء، ثواب إیمانهم و ثواب أعمالهم الصالحۀ، شیء. إذ کلّ امرئ بما کسب من خیر أو شر رهین.
.( أي ما یوجب السرور و الحزن من رخاء و جدب. و قد تقدم ذلک (ص 191 «1» -234 وَ أَنَّهُ هُوَ أَضْحَکَ وَ أَبْکی
بهدایته التشریعیۀ. «2» -235 لِیُخْرِجَکُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَی النُّورِ
بتوفیقه و المزید من عنایته و ألطافه. .«3» -236 وَ جَعَلْنا فِی قُلُوبِ الَّذِینَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَۀً وَ رَحْمَۀً
زعمت الأشاعرة دلالۀ الآیۀ علی نفی القدرة. أي لیعلم أهل «4» -237 لِئَلَّا یَعْلَمَ أَهْلُ الْکِتابِ أَلَّا یَقْدِرُونَ عَلی شَیْءٍ مِنْ فَضْ لِ اللَّهِ
الکتاب أنّهم غیر قادرین علی الاهتداء إلا أن یشاء اللّه.
قلنا: فسرت الآیۀ علی ثلاثۀ وجوه:
یعود علی أهل الکتاب، أي لیعلم أهل الکتاب أنّهم لا یقدرون علی « أن لا یقدرون » زائدة و ضمیر الجمع فی « لا» الأول: أن تکون
احتجاز شیء من رحمته تعالی، وَ أَنَّ الْفَضْلَ بِیَدِ اللَّهِ یُؤْتِیهِ مَنْ یَشاءُ ممن استحقّه و مهّد لذلک الأسباب.
وَ قالُوا لَنْ .«5» و هذا کبح صارم لما کان أهل الکتاب یتشدّقون به من اختصاصهم بفضله تعالی: وَ قالُوا کُونُوا هُوداً أَوْ نَصاري تَهْتَدُوا
. فالفضل بید اللّه یؤتیه من یشاء من عباده، غیر ( 1) النجم: 43 .«6» یَدْخُلَ الْجَنَّۀَ إِلَّا مَنْ کانَ هُوداً أَوْ نَصاري
. 2) الحدید: 9 )
. 3) الحدید: 27 )
. 4) الحدید: 29 )
. 5) البقرة: 135 )
. 6) البقرة: 111 )
ص: 313
.«1» مقصور علی قوم و لا محجور لطائفۀ، و لا محدود و لا قلیل وَ اللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِیمِ
الثانی: أن یعود ضمیر الجمع إلی المؤمنین، أي إنّما وعدنا المؤمنین کفلین من رحمتنا لئلا یعتقد أهل الکتاب أن المؤمنین لا یقدرون
علی شیء من فضل اللّه.
صفحۀ 182 من 268
أصلیۀ. فمفاد الآیۀ علی ذلک هو اثبات قدرة المؤمنین علی تحصیل فضله تعالی و رحمته بفعل الاسباب الموجبۀ لها. « لا» و علیه ف
الثالث: انه نفی للیأس و القنوط الذي کاد یعتور أهل الکتاب ممّن لم یؤمنوا، فحسبوا من أنفسهم الابتعاد عن رحمته تعالی حیث
غضب علیهم و لعنهم و جعل منهم القردة و الخنازیر و عبد الطاغوت.
فجاءت الآیۀ مسلّیۀ و باعثۀ فی نفوسهم الرجاء و الامل فی فضله تعالی، و ان المجال امام الراغبین فی شمول رضوانه تعالی واسع،
حیث الاسباب المؤاتیۀ لذلک موفورة بالدخول فی حوزة الاسلام و الرضوخ لتکالیفه القیمۀ.
و یشهد لصحۀ هذا المعنی، أنّ الآیات المتقدمۀ علی هذه الآیۀ جاءت ترغیبا للمؤمنین بالمسارعۀ إلی مغفرة من ربهم و جنۀ عرضها
السماوات و الأرض.
ثمّ قفی علی آثارهم بعیسی بن .«3» ثمّ تعرجت إلی أمم سالفۀ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَ کَثِیرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ .«2» أُعِدَّتْ لِلَّذِینَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَ رُسُلِهِ
مریم، و کان قد جعل اللّه فی قلوب الذین اتبعوه رأفۀ و رحمۀ و رهبانیۀ فما رعوها حق رعایتها، فَآتَیْنَا الَّذِینَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ، وَ
.«4» کَثِیرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ
هذا تفصیل لبیان أحوال امم غابرة و حاضرة. ثمّ وجّه نداءه العامّ إلی من آمن و اتّقی و وعدهم کفلین من رحمته و نورا یهتدون به
فی ظلمات الحیاة.
. قال المفسرون: هذا الخطاب الأخیر یعنی المؤمنین من أهل الکتاب خاصّۀ ( 1) الحدید: 29
. 2) الحدید: 21 )
. 3) الحدید: 26 )
. 4) الحدید: 27 )
ص: 314
الذین آمنوا باللّه و رسوله: یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا بأنبیاء سابقین ایمانا صادقا اتَّقُوا اللَّهَ وَ آمِنُوا بِرَسُولِهِ الحاضر محمّد (صلّی اللّه علیه و
نصیبا لایمانکم السابق القدیم، و نصیبا لایمانکم اللاحق الحدیث. « من رحمته » أي نصیبین « یؤتکم کفلین » ( آله
و هذه الزیادة من عنایته تعالی بشأن هؤلاء المؤمنین من أهل الکتاب لدلیل واضح علی أنّ أبواب رحمته تعالی مفتّحۀ للراغبین فی
شمول رضوانه و الدخول تحت فضله و لطفه، مهما کانت جنسیّۀ الطالبین المجاهدین فی سبیل لقاءه تعالی.
ممّن تخلّفوا عن الایمان برسول الاسلام أَلَّا یَقْدِرُونَ عَلی شَیْءٍ مِنْ «1» إذن فکان هذا اللطف و العنایۀ الخاصّۀ لِئَلَّا یَعْلَمَ أَهْلُ الْکِتابِ
.«1» فَضْلِ اللَّهِ
فلا یذهب و همهم انهم قد أیسوا من رحمته، أو أنّ لعنته تعالی شملتهم إلی الأبد، و حالت دون امکان التوبۀ و الرجوع إلی فضله
تعالی و رحمته!! کلّا.
فلیأخذوا من ایمان اخوانهم الذین أسلموا دلیلا علی امکان ایمانهم متی شاءوا و وافقهم التوفیق.
من عباده المؤمنین فی أيّ وقت و أيّ مکان و من أي جیل أو أیّۀ طائفۀ. وَ اللَّهُ ذُو الْفَضْ لِ «1» وَ أَنَّ الْفَضْ لَ بِیَدِ اللَّهِ یُؤْتِیهِ مَنْ یَشاءُ
و تزهید «4» الْعَظِیمِ فلا یقصره علی قوم دون قوم و لا جیل دون جیل. و فی ذلک ترغیب جمیل ل مَنْ شاءَ أَنْ یَتَّخِ ذَ إِلی رَبِّهِ سَبِیلًا
لطیف فی الیأس و القنوط عن رحمته تعالی الواسعۀ.
و هذا المعنی الأخیر هو اختیارنا بالذات، و نراه الأصحّ و الأوفق بسیاق الآیۀ، فتدبّر.
.«5» -238 أُولئِکَ کَتَبَ فِی قُلُوبِهِمُ الْإِیمانَ وَ أَیَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ
. أي علم اللّه أنّهم یؤمنون حقا فأیّدهم بروح منه، و زاد فی عنایته لهم. ( 1) الحدید: 29
. 4) الفرقان: 57 )
صفحۀ 183 من 268
. 5) المجادلۀ: 22 )
ص: 315
أي مهّد أسباب خروجهم، بتأیید المسلمین و نصرهم، و إلقاء «1» -239 هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِینَ کَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْکِتابِ مِنْ دِیارِهِمْ
الرعب فی قلوب أهل الکتاب من بنی النضیر، فانجلوا من أرض یثرب إلی أذرعات الشام، أخرجهم رسول اللّه (صلّی اللّه علیه و آله و
سلّم) فی قصۀ طویلۀ.
-240 وَ لَوْ لا أَنْ کَتَبَ اللَّهُ عَلَیْهِمُ الْجَلاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِی الدُّنْیا وَ لَهُمْ فِی الْآخِرَةِ عَذابُ النَّارِ. ذلِکَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَ رَسُولَهُ، وَ مَنْ یُشَاقِّ
.«2» اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِیدُ الْعِقابِ
أي علم منهم ذلک. و فی الحقیقۀ لو لا أنهم انجلوا، و کانوا حاولوا البقاء و مخالفۀ أمر الرسول (صلّی اللّه علیه و آله و سلّم) فی
الخروج، لأنزل علیهم العذاب بالقتل و الاستئصال علی أیدي المسلمین، کما فعل ببنی قریظۀ.
لا یدلّ علی أنّه تعالی خلقهم کفارا و مؤمنین. و إلّا لکان الواجب- حسب .«3» -241 هُوَ الَّذِي خَلَقَکُمْ فَمِنْکُمْ کافِرٌ وَ مِنْکُمْ مُؤْمِنٌ
قال أبو علی: فلما ذکر تعالی بالرفع دلّ علی أنّ الکفر و الایمان من فعلهم لا من .« فمنکم کافرا و منکم مؤمنا » قواعد الأدب- النصب
أي فمنکم من کفر و منکم من آمن لأنّ الرفع یدلّ علی فعلیّۀ النسبۀ حال التکلم إذا لم تقم قرینۀ قطعیۀ علی خلافها. «4» خلق اللّه فیهم
أي بمخالفته لنظام الفطرة و الشریعۀ أخذ فی التسافل و ،«5» -242 لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِی أَحْسَنِ تَقْوِیمٍ ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِینَ
و أمّا الاسناد إلی «6» الانحطاط عن منزلۀ الانسان الکریمۀ. و من ثمّ قال تعالی علی جهۀ الاستثناء: إِلَّا الَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ
. اللّه فمن جهۀ أنه تعالی أقدره علی اختیار السوء و الفساد، حسبما تقدّم غیر مرّة. ( 1) الحشر: 2
.4 - 2) الحشر: 3 )
. 3) التغابن: 2 )
. 4) متشابهات القاضی: ج 2 ص 655 الفقرة: 774 )
.5 - 5) التین: 4 )
. 6) التین: 6 )
ص: 316
لا یدلّ علی الترخیص، و انما هو علی سبیل اللوم و التوبیخ لهم علی التمسک بما هم علیه من .«1» -243 لَکُ مْ دِینُکُ مْ وَ لِیَ دِینِ
الباطل، الأمر الذي یشفّ عن قدرتهم علی الاقلاع و العدول عنه إلی دین محمّد (صلّی اللّه علیه و آله و سلّم).
مسألۀ الاستدراج:
الاستدراج مأخوذ من الدرج و هو المشی فی أناة خطوة خطوة، یقال: درج الصبی أي مشی علی حیطۀ و حذر فی خطی قصیرة. و الامّ
تستدرج ولدها:
تجعله یمشی کذلک، أي تواکبه فی المشی المذکور تدریبا له.
و قد اصطلح استعماله فی امهال العصاة لیزدادوا غیا و جهالۀ. کأنّ النعم المتوافرة علیهم تواکبهم فی مسیرهم إلی الضلال فیحسبوا
أنّهم علی هدي و أنّهم یحسنون صنعا. الأمر الذي یزید فی ضلالهم و الابتعاد عن الحق فلا ینکفئون إلی طریق الرشد و الصلاح أبدا.
.« خذ الغایات و دع المبادئ » : و من ثمّ فسره أهل اللغۀ بالخدعۀ. و هذا التفسیر صحیح إلی حدّ ما، إذا ما لاحظنا المبدأ القائل
فاللّه تبارك و تعالی انما یفعل بالکافر المعاند ما یستحقّه من عقوبۀ عاجلۀ. و کان یشبه فعل المخادع الذي یحاول خداع غریمه. و
الکافر هو الذي ینخدع بوفرة النعمۀ علیه، لفرط حمقه و جهالته و لیس اللّه بالذي حاول خدعه.
صفحۀ 184 من 268
و الاستدراج هو نوع خذلان استحقّه العاصی المتمرّد، و استوجبه لنفسه علی أثر صموده فی الغیّ و الضلال، فلا تکاد تؤثّر فیه
الموعظۀ اطلاقا، و من ثمّ یترکه اللّه و نفسه فی غیاهب هذه الحیاة المغریۀ، المغرّرة بالمفتتن بها.
انّ المغتر بهذه الحیاة الدنیا، المعجب بلذائذها السفلی، لا یزال یزداد نهما و انهماکا فی مطالیب مبتذلۀ و خسیسۀ إلی حدّ بعید. الأمر
. الذي یزیده ابتعادا ( 1) الکافرون: 6
ص: 317
عن معالم الانسانیۀ العلیا، و عن الاستقامۀ علی الطریقۀ المثلی الکریمۀ.
و قد یبلغ به التیه إلی حیث لا یرعوي و ان بلغ به الجهد مبلغه فی العطب و العناء فقد تمکّن الشیطان من نفسه و غلبه هواه و صرعته
فلا فعالیۀ له و لا إرادة و لا إدراك و لا احساس: إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ ،«1» الخطایا و الآثام، الأمر الذي افتقد معه جمیع دلائل الحیاة
.«2» اللَّهِ الصُّمُّ الْبُکْمُ الَّذِینَ لا یَعْقِلُونَ. وَ لَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِیهِمْ خَیْراً لَأَسْمَعَهُمْ وَ لَوْ أَسْمَعَهُمْ- و الحال هذه- لَتَوَلَّوْا وَ هُمْ مُعْرِضُونَ
«3» إذن فلا فائدة فی التضییق علی مثل هذا الهائم فی بیداء الضلال إِنَّکَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتی وَ لا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعاءَ إِذا وَلَّوْا مُدْبِرِینَ
فلا یمدّ یدا إلی حاجۀ الا و قد نالها، و لا ینطلق فی جهۀ الا و قد وافته الأمانی و اقبلت علیه ،«4» فیوفر اللّه علیه نعمه فی هذه الحیاة
الدنیا بکلّ زخارفها، فلا یزداد إلّا اغترارا و ابتعادا عن رضوانه تعالی فانقلبت نعم اللّه علیه نقما و خذلانا، کما کانت البلایا بالنسبۀ إلی
المؤمن الصالح نعما و ألطافا.
إنّ اللّه إذا أراد بعبد خیرا فأذنب ذنبا أتبعه بنقمۀ و یذکّره الاستغفار. و إذا أراد بعبد شرّا » :( قال أبو عبد اللّه الامام الصادق (علیه السلام
فأذنب ذنبا، أتبعه بنعمۀ لینسیه الاستغفار و یتمادي بها، و هو قول اللّه عزّ و جلّ:
سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَیْثُ لا یَعْلَمُونَ. قال: بالنعم عند المعاصی.
هو العبد یذنب الذنب فیملی له و یجدّد له عندها النعم فتلهیه عن الاستغفار من الذنوب، » : و سئل (علیه السلام) عن الاستدراج، فقال
1) تقدم تفسیرنا لآیۀ الحیلولۀ: 24 من سورة الانفال ص 245 ، بهذا المعنی، فقد حالت الخطایا بینهم ) .« فهو مستدرج من حیث لا یعلم
و بین قلوبهم فلا یکادون یفقهون شیئا.
.23 - 2) الانفال: 22 )
. 3) النمل: 80 )
4) لان فی التضییق قد یکون انقلاع عن المعصیۀ و رجوع الی اللّه بالانابۀ الیه، فهو لطف- أحیانا- و توفیق، یمنعه تعالی عن المتمرد )
العنود، حیث العلم بعدم التأثیر.
ص: 318
هو العبد یذنب الذنب فتجدّد له النعمۀ معه. » : و فی روایۀ اخري: قال
.« تلهیه تلک النعمۀ عن الاستغفار من ذلک الذنب
.«1» «!؟ کم من مغرور بما قد أنعم اللّه علیه؟! و کم من مستدرج بستر اللّه علیه؟! و کم من مفتون بثناء الناس علیه » : و قال
إمّا بتصریح أو تلویح:- 1- قال تعالی: وَ الَّذِینَ کَذَّبُوا بِآیاتِنا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ « الاستدراج » و إلیک من الآیات الکریمۀ ما یخصّ مسألۀ
.«2» حَیْثُ لا یَعْلَمُونَ. وَ أُمْلِی لَهُمْ إِنَّ کَیْدِي مَتِینٌ
الاملاء: الامهال. و الکید- فی الآیۀ- یعنی حصیلته، تشبیها بمن یحاول الخداع. و فی الآیۀ تصریح بأنّ الاستدراج علی المعاصی انما
یخصّ اولئک الذین کذبوا بآیاته تعالی و سعوا فی آیاته معاجزین.
و هذه الآیۀ- بملاحظۀ .«3» -2 فَذَرْنِی وَ مَنْ یُکَ ذِّبُ بِهذَا الْحَ دِیثِ. سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَیْثُ لا یَعْلَمُونَ. وَ أُمْلِی لَهُمْ إِنَّ کَیْدِي مَتِینٌ
سیاقها- أصرح فی الاختصاص المذکور.
صفحۀ 185 من 268
.«4» -3 وَ لا یَحْسَبَنَّ الَّذِینَ کَفَرُوا أَنَّما نُمْلِی لَهُمْ خَیْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ. إِنَّما نُمْلِی لَهُمْ لِیَزْدادُوا إِثْماً وَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِینٌ
للعاقبۀ. أي کانت وفرة النعم علیهم و غفلتهم عن الآخرة مما تنتهی إلی الازدیاد من الاثم و الاجرام. « لیزدادوا » اللام فی
1) الاحادیث مستخرجۀ من الکافی ) .«5» -4 وَ لَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِکَ فَأَمْلَیْتُ لِلَّذِینَ کَفَرُوا ثُمَّ أَخَ ذْتُهُمْ فَکَیْفَ کانَ عِقابِ
. الشریف (الاصول): ج 2 ص 452
.183 - 2) الاعراف: 182 )
.45 - 3) القلم: 44 )
. 4) آل عمران: 178 )
. 5) الرعد: 32 )
ص: 319
الاملاء هو الاستدراج عقوبۀ عاجلۀ.
.«1» -5 فَأَمْلَیْتُ لِلْکافِرِینَ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَکَیْفَ کانَ نَکِیرِ
.«2» -6 وَ کَأَیِّنْ مِنْ قَرْیَۀٍ أَمْلَیْتُ لَها وَ هِیَ ظالِمَۀٌ ثُمَّ أَخَذْتُها وَ إِلَیَّ الْمَصِیرُ
.«3» -7 فَلَمَّا نَسُوا ما ذُکِّرُوا بِهِ فَتَحْنا عَلَیْهِمْ أَبْوابَ کُلِّ شَیْءٍ حَتَّی إِذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أَخَذْناهُمْ بَغْتَۀً فَإِذا هُمْ مُبْلِسُونَ
هذه الارادة هی .«4» -8 وَ لا تُعْجِبْکَ أَمْوالُهُمْ وَ أَوْلادُهُمْ إِنَّما یُرِیدُ اللَّهُ أَنْ یُعَذِّبَهُمْ بِها فِی الدُّنْیا وَ تَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَ هُمْ کافِرُونَ
تکوینیۀ، اخبار عن واقعیۀ سوداء اکتسبوها لانفسهم بسوء اختیارهم.
.«5» -9 لا یَغُرَّنَّکَ تَقَلُّبُ الَّذِینَ کَفَرُوا فِی الْبِلادِ. مَتاعٌ قَلِیلٌ ثُمَّ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَ بِئْسَ الْمِهادُ
.«6» -10 وَ أُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ یَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذابٌ أَلِیمٌ
.«7» -11 فَذَرْهُمْ فِی غَمْرَتِهِمْ حَتَّی حِینٍ. أَ یَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَ بَنِینَ. نُسارِعُ لَهُمْ فِی الْخَیْراتِ؟! بَلْ لا یَشْعُرُونَ
.«8» -12 ذَرْهُمْ یَأْکُلُوا وَ یَتَمَتَّعُوا وَ یُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ یَعْلَمُونَ
.«9» -13 کُلُوا وَ تَمَتَّعُوا قَلِیلًا إِنَّکُمْ مُجْرِمُونَ
.«10» -14 إِنَّهُمْ یَکِیدُونَ کَیْداً وَ أَکِیدُ کَیْداً. فَمَهِّلِ الْکافِرِینَ أَمْهِلْهُمْ رُوَیْداً
. -15 وَ لَوْ لا أَنْ یَکُونَ النَّاسُ أُمَّۀً واحِدَةً- (کافرة)- ( 1) الحج: 44
. 2) الحج: 48 )
. 3) الانعام: 44 )
. 4) التوبۀ: 85 )
.197 - 5) آل عمران: 196 )
. 6) هود: 48 )
.56 - 7) المؤمنون: 54 )
. 8) الحجر: 3 )
. 9) المرسلات: 46 )
.17 - 10 ) الطارق: 15 )
ص: 320
لَجَعَلْنا لِمَنْ یَکْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُیُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّۀٍ وَ مَعارِجَ عَلَیْها یَظْهَرُونَ. وَ لِبُیُوتِهِمْ أَبْواباً وَ سُرُراً عَلَیْها یَتَّکِؤُنَ. وَ زُخْرُفاً وَ إِنْ کُلُّ
صفحۀ 186 من 268
.«1» ذلِکَ لَمَّا مَتاعُ الْحَیاةِ الدُّنْیا، وَ الْآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّکَ لِلْمُتَّقِینَ
و ذلک لأنّ أکثریّۀ الناس ذووا ایمان ضعیف، و انما تبهرهم زبارج هذه الحیاة و زخارفها، فإذا ما وجدوها خاصۀ بالکافرین لهبّ
أکثرهم إلی الکفر و نسوا الآخرة.
و الآیات من هذا القبیل فی القرآن کثیر، ذکرنا منها نماذج عن البقیۀ، و هی فی مجموعها لا تتجاوز المائۀ آیۀ.
الاستهزاء و الخدیعۀ:
و انما هی أفعال تنمّ عن قبح و سفاهۀ لا یرتکبها .« الکید » و « المکر » و « الخدیعۀ » و « السخریۀ » و « الاستهزاء » : جاء فی القرآن تعابیر
قال موسی- مستنکرا لهذه النسبۀ-: « أ تتّخذنا هزوا » : الحکیم، و من ثمّ لما قال بنوا إسرائیل
.«2» أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَکُونَ مِنَ الْجاهِلِینَ
و قد تأوّل العلماء لذلک تأویلات لطیفۀ و تخریجات أدبیۀ بدیعۀ!- قال الامام جار اللّه الزمخشري: و الخدع، أن یوهم صاحبه خلاف
ما یرید به من المکروه. الأمر الذي لا یصحّ من اللّه و لا من المؤمنین. لأنّ العالم الذي لا تخفی علیه خافیۀ لا ینخدع. و الحکیم الذي
لا یفعل القبیح لا یخدع غیره. و المؤمنون و إن جاز أن ینخدعوا لم یجز أن یخدعوا، أ لا تري إلی قول الشاعر:
و استمطروا من قریش کلّ منخدع ان الکریم إذا خادعته انخدعا
فقد جاء النعت بالانخداع و لم یأت بالخدع! ثمّ أخذ فی تأویل قوله تعالی: یُخادِعُونَ اللَّهَ وَ الَّذِینَ آمَنُوا وَ ما یَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَ هُمْ وَ ما
.35 - و ذکر وجوها، منها: أن یقال: کانت صورة صنعهم ( 1) الزخرف: 33 .«3» یَشْعُرُونَ
. 2) البقرة: 67 )
. 3) البقرة: 9 )
ص: 321
مع اللّه حیث یتظاهرون بالایمان و هم کافرون، صورة صنع الخادعین. و صورة صنع اللّه معهم- حیث أمر باجراء أحکام المسلمین
علیهم و هم عنده فی عداد شرار الکفرة و أهل الدرك الأسفل من النار- صورة صنع الخادع. و کذلک صورة صنع المؤمنین معهم
.«1» حیث امتثلوا أمر اللّه فیهم فأجروا أحکامهم علیهم
ثانیا، نکتۀ لطیفۀ و هی: أنّهم یحاولون خداع اللّه و المؤمنین، لکنهم لا ینخدعون « یخدعون » و ب ،« یخادعون » قلت: فی التعبیر أوّلا ب
فتصبح محاولاتهم فاشلۀ، أمّا حقیقۀ الخدیعۀ فانها تقع بهم بالذات، حیث انهم هم الذین ینخدعون بما یتوهّمون من تأثیر محاولاتهم
الفاشلۀ.
انهم یدبرون المکائد بالمسلمین و یبطنون کفرا فی ظاهر اسلام، زاعمین انهم بهذه الاسالیب الجهنمیّۀ سوف یعبرون بأهدافهم علی
عقول المؤمنین. غیر أنّ اللّه یفضحهم بین أونۀ و اخري و تصبح مکائدهم تفشل واحدة تلو اخري.
أمّا المؤمنون ففی هناء من العیش آمنین مطمئنین. کما أنّ أحکام .«2» أمّا عیشتهم فعیشۀ قلقۀ مضطربۀ، یَحْسَ بُونَ کُلَّ صَیْحَۀٍ عَلَیْهِمْ
الاسلام برمتها تجري علی المنافقین و علی المؤمنین علی سواء، فی حین أنّ المؤمنین یقومون بها عن یسر و رحابۀ صدر، و یقوم
.«3» المنافقون بها عن کراهیۀ و عن مشقّۀ شدیدة حیث فقد العقیدة المیسرة للتکالیف. وَ إِذا قامُوا إِلَی الصَّلاةِ قامُوا کُسالی
.«4» وَ لا یَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلَّا وَ هُمْ کُسالی وَ لا یُنْفِقُونَ إِلَّا وَ هُمْ کارِهُونَ
و الخلاصۀ: ان المنافق المراوغ یحاول الخداع بالمؤمنین، و یقوم بأسالیب هو یزعمها خدّاعۀ، غیر أنّ الواقعیۀ تعاکسه و یکون هو
(1) .«5» المنخدع بالذات:- أولا: لأنّ دسائسه تفتضح علی الملأ و یعود و بالها علیه فی نهایۀ المطاف، وَ لا یَحِیقُ الْمَکْرُ السَّیِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ
57 ط بیروت. - تفسیر الکشاف: ج 1 ص 56
صفحۀ 187 من 268
. 2) المنافقون: 4 )
. 3) النساء: 142 )
. 4) التوبۀ: 54 )
. 5) فاطر: 43 )
ص: 322
و ثانیا: لأنّه متحمّل صعوبۀ التکلیف مع فقد العقیدة المیسّرة.
و ثالثا: عیشته القلقۀ لا یغمض جفنیه عن ارتیاح نفسی أبدا، خوف الفضح و انکشاف واقعه الخبیث.
و هکذا صحّ التعبیر بالاستهزاء لهم. انهم یحاولون الاستهزاء بالمؤمنین غیر أنّ اللّه هو الذي یستهزئ بهم باقرارهم علی اسلامهم
الظاهري فیحمّلهم تکالیف الاسلام الشاقّۀ علیهم بالذات، فی حین ارعابهم بین حین و آخر بفضج دسائسهم و مکائدهم بین الاشهاد،
و جعلهم فی اضطراب نفسی دائم، و فی الآخرة لهم عذاب أشدّ و أبقی.
فالتعبیر بالاستهزاء من جانبه تعالی تعبیر مجازيّ، رعایۀ للمشاکلۀ اللفظیۀ التی هی من فنون البدیع، و لأنّه تعالی یفعل بهم ما یشبه فعل
المستهزئین، حیث یدعهم یخبطون علی غیر هدي، فی طریق لا یعرفون غایته، و الید الجبارة تتلقفهم فی نهایته. قال سید قطب:
کالفئران الهزیلۀ تتواثب فی الفخ، غافلۀ عن المقبض المکین. و هذا هو الاستهزاء الرعیب، لا کاستهزائهم الهزیل الحقیر.
.«1» وَ إِذا خَلَوْا إِلی شَیاطِینِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَکُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ. اللَّهُ یَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَ یَمُدُّهُمْ فِی طُغْیانِهِمْ یَعْمَهُونَ
انه تعالی و ان کان لا یخدع أحدا و لا یستهزئ بأحد، « خذ الغایات و اترك المبادئ » انها معاکسۀ طبیعیۀ تجابههم فی أشدّ وقعتها
لکنّه یردّ کید الخائنین فی نحورهم و یجعل من الواقعیۀ بحیث تعاکس أهدافهم و تخیب آمالهم الی ما یناقضها فی نهایۀ المطاف.
قال الزمخشري: معنی استهزائه تعالی بهم انزال الهوان و الحقارة بهم لأنّ المستهزئ غرضه الذي یرمیه هو طلب الخفۀ و الزرایۀ ممن
.15 - یهزأ به، و ادخال الهوان ( 1) البقرة: 14
ص: 323
و الحقارة علیه و قد کثر التهکم فی کلامه تعالی بالکفرة، و المراد به تحقیر شأنهم و ازدراء أمرهم، و الدلالۀ علی أنّ مذاهبهم حقیقۀ
بأن یسخر منها الساخرون و یضحک الضاحکون. و أیضا فقد سمی جزاء الاستهزاء باسمه، کقوله:
فان قلت: کیف ابتدأ قوله: اللَّهُ یَسْتَهْزِئُ .«2» و قوله: فَمَنِ اعْتَدي عَلَیْکُمْ فَاعْتَدُوا عَلَیْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدي عَلَیْکُمْ .«1» وَ جَزاءُ سَیِّئَۀٍ سَیِّئَۀٌ مِثْلُها
بِهِمْ من غیر عطف علی کلام قبله؟ قلت: هو استئناف فی غایۀ الجزالۀ و الفخامۀ. و فیه أن اللّه عزّ و جلّ هو الذي یستهزئ بهم
.«3» الاستهزاء الأبلغ، الذي لیس استهزاؤهم الیه باستهزاء. و لا یؤبه له فی مقابلته، لما ینزل بهم النکال و یحلّ بهم من الهوان و الذّلّ
فی آیۀ اخري بهدم بنیانهم من الأساس، تجاه ما قاموا به «4» و من ثمّ جاء تفسیر قوله تعالی: وَ مَکَرُوا وَ مَکَرَ اللَّهُ وَ اللَّهُ خَیْرُ الْماکِرِینَ
أي عاکستهم الواقعیۀ، إذ وَ ما یَمْکُرُونَ إِلَّا «5» من دسائس و خیانات، قال تعالی: قَدْ مَکَرَ الَّذِینَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَی اللَّهُ بُنْیانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ
و قال تعالی موضحا لموقفه مع المنافقین الماکرین: .«7» وَ لا یَحِیقُ الْمَکْرُ السَّیِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ .«6» بِأَنْفُسِهِمْ وَ ما یَشْعُرُونَ
.«8» سَیُصِیبُ الَّذِینَ أَجْرَمُوا صَغارٌ عِنْدَ اللَّهِ وَ عَذابٌ شَدِیدٌ بِما کانُوا یَمْکُرُونَ
و قوله: وَ قَدْ مَکَرَ الَّذِینَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ .«9» و أنت اذا قارنت بین قوله تعالی: قَدْ مَکَرَ الَّذِینَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَی اللَّهُ بُنْیانَهُمْ مِنَ الْقَواعِدِ
. عرفت- بوضوح- أنّ المقصود من مکره تعالی هی المعاملۀ بالمثل بما یناقض ( 1) الشوري: 40 «10» الْمَکْرُ جَمِیعاً
. 2) البقرة: 194 )
.67 - 3) الکشاف: ج 1 ص 66 )
. 4) آل عمران: 54 )
صفحۀ 188 من 268
. 5) النحل: 26 )
. 6) الانعام: 123 )
. 7) فاطر: 43 )
. 8) الانعام: 124 )
. 9) النحل: 26 )
. 10 ) الرعد: 42 )
ص: 324
أهدافهم و یهدم أساس بنیانهم المنهار، و کانت التسمیۀ من باب التشاکل فی التعبیر لا غیر.
انهم «1» لا یعدو الجزاء بمماثلۀ أعمالهم إِنَّهُمْ یَکِیدُونَ کَیْداً وَ أَکِیدُ کَیْداً فَمَهِّلِ الْکافِرِینَ أَمْهِلْهُمْ رُوَیْداً « کیده تعالی » و کذلک
یدبرون المکائد المفضوحۀ العائد و بالها علی أنفسهم بالذات، فربما کان تعالی یستدرجهم بالنعم و الموفقیۀ فی شیء من دسائسهم،
ذلِکُمْ وَ أَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ کَیْدِ الْکافِرِینَ .«2» غیر أنّ اللّه سوف یأخذهم أخذ عزیز مقتدر أَمْ یُرِیدُونَ کَیْداً فَالَّذِینَ کَفَرُوا هُمُ الْمَکِیدُونَ
.«4» وَ أُمْلِی لَهُمْ إِنَّ کَیْدِي مَتِینٌ .«3»
و قس علی ذلک سائر الآیات التی جاء فیها ذکر الخداع و الاستهزاء و السخریۀ و الکید و المکر، منسوبۀ إلی اللّه سبحانه. فانها تخرج
جمیعا علی نسق واحد حسبما تقدّم.
أي یفعل بهم فعل المخادع حسبما تقدّم فی کلام الزمخشري. «5» قال تعالی: إِنَّ الْمُنافِقِینَ یُخادِعُونَ اللَّهَ وَ هُوَ خادِعُهُمْ
و هذه .«7» قالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْکُمْ کَما تَسْخَرُونَ .«6» و قال تعالی: فَیَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِیمٌ
فقد کان الکفار یستهزءون من المؤمنین، .«8» السخریۀ المماثلۀ یفسرها قوله تعالی: فَحاقَ بِالَّذِینَ سَخِرُوا مِنْهُمْ ما کانُوا بِهِ یَسْتَهْزِؤُنَ
( قیامهم بتکالیف و أعمال عبثیۀ- حسبما کانوا یرون- لکنّهم أصبحوا موضع سخریّۀ المؤمنین بما فاجأهم من العذاب المهین. ( 1
.17 - الطارق: 15
. 2) الطور: 42 )
. 3) الانفال: 18 )
. 4) الاعراف: 183 و القلم: 45 )
. 5) النساء: 142 )
. 6) التوبۀ: 79 )
. 7) هود: 38 )
. 8) الانبیاء: 41 )
ص: 325
أي دبّرنا له أسباب النجاح و الموفقیۀ بما کان یخفی علی اخوته، و قد حاولوا أن یکیدوا به .«1» و قال تعالی: کَ ذلِکَ کِدْنا لِیُوسُفَ
کیدا، غیر أنّ محاولتهم فشلت فأصبحوا من الصاغرین.
أي دبروا و قدّروا و دبرنا و قدرنا و هم لا یشعرون أن لهم الصفقۀ .«2» و قال تعالی: وَ مَکَرُوا مَکْراً وَ مَکَرْنا مَکْراً وَ هُمْ لا یَشْعُرُونَ
.«4» وَ مَکْرُ أُولئِکَ هُوَ یَبُورُ .«3» السفلی الخاسرة، و أنّ ید اللّه هی العلیا. قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَکْراً
.«5» وَ لا یَحِیقُ الْمَکْرُ السَّیِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ
.«6» و قوله تعالی: وَ کَذلِکَ جَعَلْنا فِی کُلِّ قَرْیَۀٍ أَکابِرَ مُجْرِمِیها لِیَمْکُرُوا فِیها
صفحۀ 189 من 268
اللام فیها للعاقبۀ. أي إنّ المجتمعات البشریۀ غیر المهذبۀ تجعل من الناس طبقۀ أکابرهم یستغلّون موارد طبقۀ الأصاغر بحیل و تدابیر
شیطانیۀ ظالمۀ، غیر أنّ حیاة الظلم بتراء، لا یدوم معها عیش هنیء و یوشک أن یدور علیهم الرحی فینقلبوا هالکین. و من ثمّ جاء
تعقیب الآیۀ بقوله: وَ ما یَمْکُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ وَ ما یَشْعُرُونَ ثمّ قال: سَیُصِ یبُ الَّذِینَ أَجْرَمُوا صَ غارٌ عِنْدَ اللَّهِ وَ عَذابٌ شَدِیدٌ بِما کانُوا
.«7» یَمْکُرُونَ
. و قد تقدمت الآیۀ برقم: 59 ضمن آیات الهدایۀ و الاضلال. ص 230
أي یدبّرون و یدبّر اللّه، غیر أنّ ید اللّه فوق أیدیهم. وَ قَدْ مَکَرُوا مَکْرَهُمْ «8» و قوله تعالی: وَ یَمْکُرُونَ وَ یَمْکُرُ اللَّهُ وَ اللَّهُ خَیْرُ الْماکِرِینَ
أي مکشوف لدیه لا تخفی علیه خافیۀ. أمّا تدابیره تعالی فانها خافیۀ علیهم و سوف تفاجئهم و هم لا یشعرون. أَ «9» وَ عِنْدَ اللَّهِ مَکْرُهُمْ
. 1) یوسف: 76 ) .«10» فَأَمِنُوا مَکْرَ اللَّهِ؟! فَلا یَأْمَنُ مَکْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخاسِرُونَ
. 2) النمل: 50 )
. 3) یونس: 21 )
. 4) فاطر: 10 )
. 5) فاطر: 43 )
. 6) الانعام: 123 )
. 7) الانعام: 124 )
. 8) الانفال: 30 )
. 9) إبراهیم: 46 )
. 10 ) الاعراف: 99 )
ص: 326
الختم و الطبع: